الرئسيةذاكرة

حكيمة ناجي تكتب: رفيقي محسن عيوش..هل تذكر، أم أنني أهذي؟

في كوميسارية ابلاص بيتري بالرباط، إحدى الليالي الباردة من الأسبوع الثاني من شهر دجنبر 1981، لم أعد أذكر اليوم بالتحديد، سمعت منادي يناديني باسمي في عمق النوم جلوسا بالسيلون/الزنزانة التي لا تتسع للتمدد وليس بها فراش، وكيف ينام الإنسان في مثل هذا الظروف  و صوت الماء يهدر مندفعا من لاشاص بدون توقف. بين اليقظة والنوم، تيقظت أنني سمعت نداء باسم المرحومة  ليلى اعبابو، وسمعت أيضا نداء حياة الزراري، ولكنني لم أكن قادرة على استيعاب كل هذا، فالعياء شديد درجة أنك لا تستوعب ما يحدث حولك. ولا يسعك الوقت لتتساءل أو تفهم، فقط تبقى انفعالاتك وعاداتك اللاشعورية هي موجهك ودليلك.

“جمعت الوقفة” وخرجت من الزنزانة المربعة المظلمة. لأجدني في الساحة المفتوحة على سماء تنفث بردا لافحا، لا أرى شيئا، المكان ضبابي، ضوء خافت هناك، طاولة هناك كأنها وضعت للتو لمهمة قصيرة الإنجاز، خلفه أحد، وأمامه كرسي، أعطاني مرافقي استيلو وقدم لي الآخر محضرا لأوقعه، وبشكل آلي هممت بقراءة ما سأوقع، فإذا بصوت “وقور” يقول: وقعي والسلام”، فقلت: “غير نقرى ونوقع”، و”عينك ما تشوف إلا النور”.

وجدت نفسي بسرعة البرق جالسة بجانب شخص، هذا الشخص هو أنت، محسن عيوش، يا للأقدار! هل تذكر، عزيزي؟ أم أنني أهذي؟   بين الطاولة ومكان الجلوس قرفصاء تحضيرا للشوط الثاني من هذه الليلة القفراء، لم أعرف كيف تم نقلي؟ أعتقد أنني حملت من ملابسي بالجهة الخلفية للعنق، لأن الأمر كان سريعا جدا، لا أذكر أنني ترجلت.

كعادتك عزيزي محسن، سريع البديهة، واضح المعنى، ومختزل الكلام لبلوغ الهدف، جملتان وجهتهما لي بصوت خفيض ووتيرة سريعة حتى لا ينتبه المعنيون، وأنت الذي جربت الاعتقال من قبل، محنك يعني في هذه أمور!

الجملة الأولى، “ما تخليهمش يعذبوك بزاف، وقعي، وفي المحكمة أمر آخر”، هل تعلم أنك بهذه الجملة أزلت حملا ثقيلا من على ظهري، وكنت سببا في أن ترى دلال النور فيما بعد.

الجملة الثانية، “إذا سولوك، انا (محسن) المسؤول عن كل شيء ولا تعرفين أحدا غيري.”

هل تذكر هذا الحديث السريع في غفلة من الجميع، أم أنني أهذي؟

فكرة مناضل قوي بإيمانه الصوفي للتغيير الإنسي تجسدت في محسن عيوش.

حكيمة ناجي، تطوان، 15 مارس 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى