
مع بداية شهر مارس الحالي شهد المغرب تساقط أمطار غزيرة على جزء كبير من البلاد بعدما ساد على المنطقة طيلة فصل الشتاء المرتفع الجوي الآزوري (نظام ضغط جوي شبه استوائي يقع مركزه بالقرب من جزر الآزور في المحيط الأطلسي) وتسبب في عجز كبير في التساقطات المطرية.
وكان صرح مسؤول التواصل بالمديرية العامة للأرصاد الجوية الحسين بوعابد في احد التصريحات الصحفية أن ضعف هذا المرتفع الجوي بالتزامن مع تعزيز التيارات الأطلسية أدى إلى اختراق سلسلة من المنخفضات الأطلسية للأجواء المغربية، جالبة معها كميات كبيرة من الأمطار وتساقطات ثلجية مهمة على المرتفعات.
وأضاف في التصريح ذاته، الذي خص به “الجزيرة نيت” على وجه التحديد، أن البلاد وقعت منذ أسبوع تحت تأثير منخفض جوي عميق وواسع النطاق، أطلق عليه اسم “جانا” خلّف كميات مهمة من التساقطات المطرية والثلجية، واستمر تدفق التيارات الغربية والجنوبية الغربية الرطبة، مما أسهم في استدامة الأمطار على مدى أيام متواصلة.
وتوقع رئيس المركز الوطني للتوقعات بالمديرية العامة للأرصاد الجوية، عبد الرحيم موجان، استمرار الأمطار خلال الأيام المقبلة، ما يعزز المخزون المائي ويحد من آثار الجفاف.
جاء ذلك بحسب تصريح أدلى به لموقع “إي إن إر تي نيوز”، بمناسبة اليوم العالمي للأرصاد الجوية، الذي يوافق 23 مارس من كل سنة.
وقال موجان، إن العام الحالي شهد بداية مطرية تلتها فترات جافة، قبل أن يعود شهر مارس بتساقطات مطرية وفيرة، مع توقعات باستمرارها خلال الأيام المقلة، ما يعزز المخزون المائي ويحد من آثار الجفاف.
المغرب لم يتجاوز بعد حالة الجفاف الهيكلي
اعتبر وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أن التساقطات المطرية خلال العشرة أيام الأخيرة، كان لها وقع إيجابي على حقينة السدود والفلاحة والماء الصالح للشرب والفرشة المائية، مؤكدا أن هذه الأمطار عمت غالبية المناطق التي كانت تعرف جفافا حادا.
واستدرك الوزير أثناء استضافته في إحدى البرامج التلفزية على القناة الأولى، بالقول، إنه ورغم الآثار الإيجابية للتساقطات المطرية الأخيرة، فإن المغرب لم يتجاوز بعد حالة الجفاف الهيكلي رغم التراجع الكبير من حدة الجفاف المسجل اليوم، معتبرا أن بلاده وصلت لمستوى جفاف معتدل.
لنتذكر هنا، أن المفرب يعيش في ظل أزمة نقص مياه يعانيها بسبب توالي سنوات الجفاف، ومن هذا المنطلق، لجأت السلطات لاتخاذ تدابير لمواجهة هذه الأزمة كتسريع وثيرة تشييد السدود ومحطات تحلية المياه وترشيد استعمال الماء.
يؤكد الرئيس السابق للجامعة الوطنية للفلاحة التابعة للاتحاد المغربي للشغل ، محمد الهاكش، أن أمطار مارس لن تنقذ الموسم الفلاحي، خاصة بالنسبة للحبوب الخريفية التي تحتاج إلى أمطار مبكرة. وان اهم ما سيقع هو انه “ستفيد هذه التساقطات الزراعات الربيعية والأشجار المثمرة، كما ستساهم في إنعاش الفرشة المائية جزئيا”.
وأضاف الهاكش في تصريح خص به “الحرة”، “أن الأهم هو تحسن الفرشة المائية التي تراجعت بشكل خطير، وأن هذه التساقطات ستنعش المراعي مما يخفف من معاناة مربي المواشي الذين تضرروا بشدة خلال الجفاف ومن قرار إلغاء ذبح الأضاحي في عيد الأضحى المقبل”.
وتابع في التصرح ذاته، أن”لهذه الأمطار تأثيرات إيجابية تتجاوز المجال الفلاحي، إذ تساهم في تحسين المراعي، مما يوفر الكلأ للمواشي ويخفف من أعباء الأعلاف على الكسابة. كما أن انتعاش الطبيعة يعيد الأمل للفلاحين ويخلق دينامية اقتصادية واجتماعية في المناطق القروية”.
“استمرار العجز المائي”
تؤكد العديد من التعليقات لذوي الاختصاص على وقع التساقطات الأخيرة، أن مشكلة العجز المائي لا تزال قائمة في العديد من المناطق. وأنه هذه الظاهرة ترجع إلى عدة عوامل معقدة، أبرزها، توزيع الأمطار غير المنتظم، إذ على الرغم من أن بعض المناطق شهدت أمطارًا غزيرة، إلا أن التساقطات لا تكون متساوية في جميع أنحاء البلاد. بعض المناطق لا تزال تعاني من شح في المياه نتيجة لقلة الأمطار في فترات سابقة.
كما أن للتغيرات المناخية دورا هاما، إذ يساهم التغير المناخي في تقليص كميات الأمطار وتوزيعها بشكل غير منتظم، مما يزيد من صعوبة ضمان استدامة الموارد المائية في البلاد، كما أن ارتفاع الطلب على المياه مع تزايد عدد السكان يقويمن يتزايد الطلب على المياه سواء في الزراعة أو الصناعة أو الاستهلاك الشخصي، مما يساهم في الضغط على الموارد المائية.
يوجد أيضا، عجز و نقص في التخزين والمخزون المائي، إذ على الرغم من إنشاء العديد من السدود في المغرب، إلا أن المخزون المائي في بعض السدود لا يفي بالاحتياجات، خاصة مع فترات الجفاف الطويلة، فضلا عن التدهور البيئي، حيث أن بعض الممارسات الزراعية غير المستدامة، مثل الإفراط في استخدام المياه الجوفية أو تدهور الأراضي، أثرت بشكل سلبي على قدرة النظام البيئي على استعادة التوازن المائي.
يقول الخبير في الماء والمناخ، عبد الحكيم الفيلالي، إن “التساقطات الأخيرة لا يمكنها أن تنسينا ست سنوات من الجفاف إلا أنها ساهمت في رفع مخزون السدود إلى 6.2 مليار متر مكعب، مقارنة بـ4 مليارات متر مكعب في نفس الفترة من العام الماضي، لكنها تظل غير كافية لتأمين احتياجات المياه مستقبلاً”.
ويضيف الفيلالي في تصريح خص به “الحرة” أنه رغم تحسن الموارد المائية، فإن نسبة ملء السدود لا تزال أقل بكثير من معدل عام 2018، حيث بلغت آنذاك 68% مقابل 36% حاليا، مما يعكس استمرار العجز المائي الذي يؤثر على الأمن المائي والفلاحي للمملكة.
المخطط الأخضر عرض الموارد المائية لاستنزاف رهيب