1 : تشكل انتفاضة 23 مارس 1965 تعبيرا عن حلم جيل بالثورة، بالتغيير الذي يجثث كل أسباب ومظاهر الطبقية و الفساد والهيمنة على الخيرات والنفوس, حلم اتخذ أشكال متنوعة من التعبير عنه والجهر به: من “الخلايا السرية للرفاق”، إلى القصيدة والأغنية والمسرحية والأقصوصة .. الخ، تحولت الثورة فيها إلى “معشوقة ” يهون من أجلها كل شيء بما في ذلك التضحية بالانتماء الطبقي المريح ، “معشوقة”بلا ملامح واضحة في الأذهان ماعدا لونها الأحمرالقاني.
2: ذكرى 23مارس هي خزان ذاكرة ” اليسار السبعيني” المثقلة بآلام المخاض والولادة، وآلام تنكيل النظام، والمتعبة بكوابيس المطاردات والاعتقالات والسجون والمنافي ومحن الأمهات.. الخ، والمجروحة بخلافات الرفاق وانشقاقاتهم عند كل محطة اختلافية ..، وهي أيضا ذاكرة انجازات وأدوار اليسار في بناء ثقافة سياسية تستعصي على التدجين والاحتواء، و في خلق وجدان نضالي مشترك مازالت الأجيال تتوارثه منذ أزيد من نصف قرن.
3: ذكرى “23مارس”، هي أيضا وأيضا، أفق مفتوح دائما على التجديد والانبعاث، وعلى المراجعة النقدية للرؤية والممارسة مادام هناك يساريون يتشبثون بما هو خالد في تجربة اليسار: روحه و قيمه النضالية والأخلاقية الإنسانية السامية، ومادام الواقع يؤكد مشروعية وراهنية ما ناضل من أجله: الحرية والكرامة والمساواة و الدمقرطة للدولة والمجتمع .. وسيظل بلوغ هذا الأفق رهينا اليوم بوحدة صف اليساريين الديمقراطيين، التنظيمية والميدانية والبرنامجية، وبتجاوز مختلف الأعطاب التي شلت فعاليته من نزعات انحرافية عن تراثه وقيمه، ومنطلقاته المبدئية.
إنها مهمة ليست بالسهلة ،اليوم، في ظل الوضع الحالي لليسار حيث افترقت به السبل، وتضخمت خصاماته اللاعقلانية، واستشرت في صفوفه نزعات انتهازية تحت يافطة ” الحداثة”، و شعبوية باسم مواجهة ” الظلامية” وبراغماتية فجة ضيقة الأفق باسم ” الاستمرارية في ظل الاستقرار , وانعزالية باسم ” طهرانية وهمية”، وانكفائية على الذات بمبرر الحضيض الذي بلغه المجال السياسي…
ذلك هو حال اليسار الذي تحل فيه ذكرى انتفاضة 23 مارس 1965..، حال يقتضي عودة نقدية إلى تجربته على مدى أزيد من نصف قرن، واستعادة للمبادئ اللاحمة للصف، والموحدة للرؤية وللفعل وللوجدان، مع الاحتراس من انتقائية الذاكرة، ومن نزعتي التمجيد والتبخيس المهيمنتين على الكثير من مقاربات تجربة اليسار السبعيني.
ذلك هو الأفق المفتوح أمام إعادة بناء وتوحيد اليسار رغم وجود تباينات بين مكوناته حول قضايا مختلفة، لكنها لن تعيق التقدم في توحيد الرؤية والفعل اذا خلصت الارادات، واجتمعت حول المشتركات القائمة والمؤسسة له، الايديولوجية منها والسياسية والبرنامجية والقيمية.
وتحية لكل رفاق ورفيقات الدرب الطويل على اختلاف مواقعهم (ن) ومآلا تهم (ن) …