
أ ف ب: يجاهر دونالد ترامب بشكل متكرّر بتأييده فرض رسوم جمركية مدفوعاً بحنين إلى الماضي وميول شخصية للمواجهات الدبلوماسية وأيضاً بعض الحسابات الاقتصادية.
وخلال حملته الانتخابية العام الماضي قال ترامب إن «التعرفة الجمركية هي أجمل كلمة في القاموس في نظري». وأكّد بعد أدائه اليمين الدستورية أن هذا المصطلح ما زال كلمته المفضّلة.
فهو يرى فيه ترياقاً يَحلّ كافة مشاكل الولايات المتحدة من خلال اجتذاب الشركات إلى الولايات المتحدة ودرّ الإيرادات على الخزينة العامة واحتواء العجز التجاري.
وعندما سئل عن خطر ارتفاع الأسعار إذ إن التعريفات الجمركية على الواردات تنعكس عادة في زيادة التكاليف على الأُسر، دعا ترامب الأمريكيين إلى التحمّل قليلاً على المدى القصير واعداً إيّاهم بـ»عصر ذهبي» على المدى الطويل.
وخلال ولايته الرئاسية الأولى لجأ إلى سلاح الرسوم الجمركية، وهو أمر غير مستغرب من مُرَوِّج عقاري سابق ينظر إلى المفاوضات الدبلوماسية من منظور الصفقات التجارية.
وتبدو المقاربة أكثر متانة هذه المرّة، حتّى وإن لم يكن مستبعداً أن يبدّل موقفه، خاصةً وأنه لا يقرن دوما الأقوال بالأفعال.
وبغية سبر أغوار هذه المنهجية، لا بدّ من العودة إلى «مشروع 2025» وهو برنامج حكومي محافظ للغاية ومَفصَّل جداً يستلهم منه ترامب الكثير من قرارات ولايته الثانية. وقد أعدّ هذا المشروع بيتر نافارو الذي عيّنه مستشاراً له في شؤون التجارة.
وجاء في فقرة تحمل عنوان «من أجل تجارة منصفة» أن «أمريكا تتعرّض للنهب كلّ يوم» ودعا فيها نافارو إلى عكس «عقيدة» التجارة الحرّة المتشرّبة «بفكر العولمة» والتي وضعت في «برج عاجي جامعي».
ويوصي نافارو خصوصاً بالردّ على الحواجز «غير التعريفية» من خلال فرض وابل من الرسوم على البلدان التي تحمي أسواقها بلوائح تنظيمية.
ويسترشد ترامب في نهجه الحمائي بالحقبة المعروفة بالعصر الذهبي التي تخلّلها نموّ ديموغرافي كبير وابتكارات تكنولوجية لامعة وإنتاج صناعي متسارع الوتيرة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ومن أوّل القرارات التي أخذها الملياردير الجمهوري بعد عودته إلى البيت الأبيض تكريم ذكرى «ملك الرسوم الجمركية» في نظره، الرئيس وليام ماكينلي (1897-1901) الذي عرُف باعتناقه نهجاً حمائياً.
فقد قرّر ترامب أن يعيد إلى دينالي، وهي أعلى قمّة في أمريكا الشمالية تقع في ألاسكا، اسمها السابق «جبل ماكينلي» بعد تغييره نزولاً عند رغبة السكان الأصليين.
وكرّر الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة لم تبلغ «يوماً مستوى ثرائها بين 1870 و1913»، مسوّغاً هذا المجد الغابر بالرسوم الجمركية المرتفعة وقتذاك. ويشير المؤرّخون من جهتهم إلى أن «العصر الذهبي»، الذي يسترشد به ترامب، وإن كان قد سمح بإثراء بعض أصحاب المصارف وشركات الصناعة ثراءً فاحشاً،
فقد عانى خلاله الملايين من الفقر الشديد.