
يترك للضيوف حرية تفسير الموضوع بطريقتهم الفريدة

تتجه أنظار العالم في كل ربيع، نحو مدينة نيويورك، وتحديدًا إلى السلالم الرخامية لمتحف المتروبوليتان للفنون، حيث يحتضن هذا الصرح الثقافي المرموق واحدًا من أكثر الأحداث بريقًا وإثارة في عالم الموضة والثقافة الشعبية: حفل “ميت غالا”.
يتجدد الموعد مع هذا الحدث الأسطوري في مساء الإثنين 5 مايو 2025 تحت شعار “Tailored for You”. وكما هو الحال دائمًا، سيترك للضيوف حرية تفسير الموضوع بطريقتهم الفريدة، ولكن نظرًا لتركيز المعرض على الأزياء الرجالية، فمن المتوقع رؤية أنماط بدلات مبتكرة على السجادة الحمراء،
حفل “ميت غالا” السنوي، لا يقتصر على كونه عرضًا مبهرًا للأزياء، بل يتجاوز ذلك ليشكل لوحة فنية حية تجمع بين الفن والتاريخ والابتكار، تضم نخبة المشاهير والمبدعين في مختلف المجالات.
الذوق الرفيع
تُفتتح الليلة بواحدة من أكثر لحظات السجادة الحمراء ترقبًا على مدار العام، حيث يتأنق ضيوف الصف الأول بأزياء تترجم الموضوع المختار لهذا العام بأساليب مبتكرة وتعبيرات بصرية تتجاوز حدود الخيال، ويُنتظر أن يحمل ميت غالا 2025 توقيعًا لافتًا على مستوى الذوق الرفيع، من خلال استكشاف دقيق لموضوع الأناقة المفصلة والأسلوب الأسود المتوهج بالحيوية، في انتقال رمزي من شاعرية “حديقة الزمن” التي ميزت نسخة العام الماضي، حيث كانت إيلي فانينغ قد أبهرت بفستان شفاف يحاكي طيران الطيور، بينما فاجأت لانا ديل راي الجمهور بإطلالة شائكة تجمع بين الغموض والجمال.
تجدر الإشارة أن حفل “ميت غالا” ليس مجرد كرنفال بصري، بل هو أيضًا مناسبة ذات بعد خيري وثقافي عميق، في خلفية الأضواء والفلاشات، تظل غايته الأساسية دعم معهد الأزياء في المتروبوليتان، من خلال جمع تبرعات بملايين الدولارات تُضخ مباشرة في دعم المعارض والأبحاث والحفاظ على إرث الموضة، وقد بلغ مجموع التبرعات التي جُمعت في نسخة 2023 ما يقارب 22 مليون دولار، مما يعكس حجم التأثير الثقافي والمالي لهذا الحدث الذي بدأ مساره المتواضع عام 1948 كتظاهرة خيرية نظمتها إليانور لامبرت، بسعر تذكرة لم يتجاوز آنذاك 50 دولارًا.
تتسم تفاصيل الحفل بدرجة عالية من الخصوصية، إذ تُدار قائمة الضيوف بسرية تامة، ويُعرف منها فقط بعض الأسماء المرموقة التي يتم الإعلان عنها سلفًا، لا سيما الرؤساء المشاركون، و في دورة هذا العام، تعود لجنة الاستضافة إلى الواجهة مع تشكيلة متنوعة من رموز الموضة والفن والرياضة، تضم أسماء مثل سيمون بايلز وأنجل ريس وشاكاري ريتشاردسون من عالم الرياضة، والمغنيين دوتشي وتايلا وآشر وجانيل موناي، بالإضافة إلى نجوم الشاشة أيو إديبيري وريجينا كينغ، وتكتمل الصورة برموز بارزة في عالم الأزياء مثل غريس ويلز بونر ودابر دان وإدوارد إينينفول وأوليفييه روستينغ، إلى جانب الفنانين المعاصرين رشيد جونسون وكارا ووكر وجوردان كاستيل، مما يؤكد على الطابع المتعدد الأبعاد لهذا الحدث الجامع بين مختلف أشكال الإبداع.
فيما يمتد الحفل إلى ما بعد السجادة الحمراء، حيث يزور الضيوف المعرض المرتبط بموضوع العام و قد اختار هذا العام عنوان “Superfine: Tailoring Black Style ، ليفتح لاحقًا أمام عموم الزوار، قبل أن ينتقل الجميع إلى جلسة عشاء رسمية تُعد بدقة، حيث تُمنع الهواتف المحمولة، وتُرتب المقاعد بعناية تحت إشراف آنا وينتور، التي تسهر على تنظيم الحفل منذ عام 1995.. وينتور كانت من أبرز الأسماء التي ساهمت في نقل الحفل من طابعه النخبوي الضيق إلى منصات الإعلام الجماهيري، من خلال توسيع دائرة المدعوين لتشمل فنانين وموسيقيين ومشاهير من مختلف أنحاء العالم، محوّلةً الحفل إلى حدث تتابعه الملايين سنويًا.
التحول الذي شهده ميت غالا على مدار العقود يعكس تطورًا موازيًا في النظرة للموضة كفن تعبيري، فبعد بداياته البسيطة، حيث كان موضوعه الأول عام 1973 يتمحور حول “عالم بالنسياغا” كريستوبال بالنسياغا، بتزامن مع معرض استعادي للمصمم الإسباني كريستوبال بالنسياغا، توالت المواضيع التي استحضرت عوالم هوليوود، والأزياء الروسية، والمرأة في القرن الثامن عشر، غير أن الحضور ظل متحفظًا في أزيائه حتى بداية الألفية الجديدة، حيث بدأ الضيوف ينهلون من روح الموضوعات بأسلوب أكثر تجريبًا وجرأة، مدعومين بزخم الإنترنت وانتشار صور الحفل عالميًا.
و من المواضيع التي حفرت أسماءها في الذاكرة الجمعية للموضة: “الصين: عبر المرآة”، أسرة تشينغ و”الأجساد السماوية: الموضة والخيال الكاثوليكي”، و”كامب: ملاحظات حول الموضة”، التي أثارت ضجة بفضل إطلالات مذهلة من نجمات أمثال بيونسيه، ليدي غاغا، ريانا، زندايا، وعائلة كارداشيان-جينر. أما العام الماضي، فقد عاد المنظمون إلى الأدب البريطاني، مستلهمين موضوع “حديقة الزمن” من قصة خيالية تعود لعام 1962 للكاتب جيه. جي. بالارد، ليمنحوا الحفل بعدًا سرديًا وأدبيًا.
ليس غريبًا إذن أن تجد شركات مثل “Launchmetrics” تقارن ميت غالا بأضخم الأحداث الترويجية في العالم مثل “السوبر بول”، بل وتتجاوزه أحيانًا من حيث “قيمة التأثير الإعلامي”، التي بلغت عام 2023 حوالي 995 مليون دولار، وارتفعت في العام الذي تلاه إلى 1.4 مليار دولار، ما يرسّخ مكانته كمنصة استثنائية تتقاطع فيها الثقافة والموضة والاقتصاد والإعلام.
في النهاية، يظل حفل ميت غالا أكثر من مجرد مناسبة لعرض الأزياء، بل هو مرآة تعكس مزاج العصر، ومختبرًا حيًا لصياغة الجمال من زوايا جديدة، وفضاء رمزيًا يتجدد سنويًا ليمنح الموضة معناها الأعمق كفن، كهوية، وكحوار دائم مع الزمن.