
انتقد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، التوجه الجديد لمشروع قانون المسطرة الجنائية، ولا سيما مقتضيات المادتين 3 و7، معتبراً أنهما تشكلان خطراً محدقاً يهدد دور المجتمع المدني في معركة الشفافية ومحاربة الفساد، الذي تصدر بشأنه عدة تقارير، ومنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
جاء ذلك في تدوينة للغلوسي، في سياق الجدل الذي يشهده المغرب بعد عرض مشروع المسطرة الجنائية، “هي مدونة القانون الجنائي في المغرب“، أمام لجنة العدل والتشريع، والتي أنهت أشغالها ليلة الثلاثاء الماضي، بالمصادقة بالأغلبية، على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 برمته،الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
الشكايات الموجهة إلى القضاء ليست غاية بحد ذاتها
و شدد الغلوسي، وفق التدوينة ذاتها، على أن الشكايات الموجهة إلى القضاء ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة من بين أدوات أخرى تتيح فضح مظاهر الاختلال وسوء التدبير داخل المرافق العمومية، مؤكدا، أن الجمعيات النزيهة لا تبني مشروعها النضالي على “الاحتراف في تقديم الشكايات” كما يروج له البعض، بل تنطلق من التزام مدني هدفه الأسمى تجويد الخدمات العمومية وضمان احترام القانون والمساواة والشفافية.
في السياق ذاته، نبه الغلوسي، للمحاولات الجارية، ل”عزل المجتمع أفراداً وجماعات عن معركة مكافحة الفساد”، عبر تمرير مقتضيات قانونية جديدة تُفرغ العمل المدني من مضمونه الرقابي، وتحاصر الجمعيات في زاوية ضيقة، بل وتمنع النيابة العامة نفسها من تحريك المتابعات القضائية إلا ضمن شروط وصفها بـ”شروط الخزيرات” – في إشارة إلى القيود المفرطة التي تفرضها المادة 3 من المشروع الجديد.
“التوظيف الفج” لشرعنة التراجع
كما عبر المتحدث ذاته، عن قلقه من توافق سياسي شبه كلي حول تمرير هذه المقتضيات، ما يقوي الاعتقاد، أنه يوجد ميلاً ممنهجاً نحو تمكين الفساد والريع، ومنح الحصانة لدوائر المصالح التي تستفيد من استنزاف المال العام بعيداً عن أعين الرقابة والمساءلة، إذ يضيف الفاعل الحقوقي في مجال محاربة الفساد واهدار المال العام، أن المواد القانونية التي يُراد تمريرها، لا تعمل فقط على تحييد آليات المجتمع المدني، بل تؤسس لنمط من الهيمنة المؤسسية يعمق من تغول الفساد ويقلم أظافر القضاء ويضعه تحت الوصاية.
كما اتهم الغلوسي المؤسسة التشريعية بـ”التوظيف الفج” لشرعنة هذا التراجع، مستنكراً غياب الجرأة الكافية من بعض المؤسسات الدستورية المعنية بالحكامة في الوقوف بوجه هذا التوجه، رغم أنها سبق أن أبدت رأياً منسجماً مع الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحق التبليغ والمساءلة.
اتخاذ قرارات نضالية تقتضيها اللحظة
هذا وكشف الغلوسي، أن الجمعية التي يرأسها بصدد اتخاذ قرارات نضالية تقتضيها اللحظة، في إطار حملة تعبئة شعبية تروم فضح هذا الانزياح الخطير نحو تكميم أفواه المنظمات المدنية، والتصدي لما وصفه بـ”الاندفاع غير المسبوق” نحو الإجهاز على المكتسبات الحقوقية والدستورية التي راكمها المغرب خلال العقود الأخيرة.
جدير بالذكر…
أن لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، كانت أنهت أشغالها الثلاثاء الماضي، بالمصادقة بالأغلبية، على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 برمته،الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
كما صادقت اللجنة على تمرير مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي تضمن بنودا مثيرة للجدل، بموافقة 18 نائبا برلمانيا، ومعارضة 7 نواب آخرين، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.
وخلال جلسة المصادقة، كشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، عن عدد تعديلات الفرق والمجموعة النيابية بخصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية التي وافقت الحكومة على قبولها، معلنا تمسكه بمقتضيات المادة الثالثة التي تمنع جمعيات المجتمع المدني في رفع الشكاية في قضايا الفساد والمال العام.