صحافي تونسي،يكتب: حرب الاشاعات بين المغرب والجزائر، متى تتوقف؟
20/05/2025
0
بقلم نزار بولحية كاتب وصحافي من تونس
انظروا جيدا إلى مشية هذا القائد، أو تأملوا مليا قسمات وجه هذا الزعيم. أحكام انطباعية مثل هذه يمكن أن تتحول في لحظة إلى خميرة مثالية لصنع إشاعة طبية تستهدف الرجل الأول في هذه الدولة، أو تلك، وتوجه إلى جمهور العالم الافتراضي، حتى يعتقد أن أيام ذلك الرمز باتت معدودة جدا، وأن بلده سينهار ويتلاشى في اللحظة التي يسلم فيها الروح.
ومن المؤكد أن الجزائريين والمغاربة اعتادوا أن يصادفوا في كثير من المرات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا مثل تلك، لكن السؤال هو من يقف حقا وراءها؟
لطالما دأبت وسائل الإعلام في البلدين على تبادل الاتهامات بذلك، وفي جزء منها قد تكون محقة تماما في ما فعلته. غير أن حرب الإشاعات التي تشتعل من حين إلى آخر بين الجارتين المغاربيتين لم تعد مسألة ثنائية تقتصر عليهما وحدهما، فقد دخلت عدة أطراف على خط تأجيجها ولغايات مختلفة، ما زاد من تعقيدها ووضع الجزائر والمغرب أمام تحد كبير هو، الإعلان عن وقف غير مشروط لإطلاق نار الإشاعات بينهما، إن هما رغبا بالطبع في أن يفتحا غدا صفحة جديدة بينهما، من الواضح أنه لن يكون أمامهما في وقت ما من خيار آخر، غير الإقدام على تلك الخطوة، حتى لو كان أحدهم ينسب للآخر كامل المسؤولية عن تلك الحرب.
حرب الإشاعات لم تعد مسألة ثنائية تقتصر عليهما وحدهما
حرب الإشاعات التي تشتعل من حين إلى آخر بين الجارتين المغاربيتين “العلاقات الثنائية بين المملكة المغربيةوالجمهورية الجزائرية” لم تعد مسألة ثنائية تقتصر عليهما وحدهما، فقد دخلت عدة أطراف على خط تأجيجها ولغايات مختلفة وإغلاق الحدود الجزائرية المغربية عام 1994.
لكن ألا تبدو العملية اليوم وفي الوضع الحالي صعبة للغاية؟ أليست مطاردة الإشاعات على الجانبين هنا، أشبه ما تكون بمطاردة الساحرات؟
ظاهريا قد تلوح كذلك، غير أن الاكتفاء بالبقاء على مقعد المتابع والمتفرج، لن يفاقم من الوضع القائم بينهما فحسب، بل إنه سيعطي إشارات مضللة تمنح صناعها ومطلقيها دفعا إضافيا، ليواصلوا طبخ المزيد من الأخبار الكاذبة والمغلوطة، ولنفترض مثلا أن صحافية جزائرية، وجهت إلى القائم بالأعمال المغربي في الجزائر سؤالا شبيها بذلك الذي طرحته صحيفة «الخبر» المحلية الأربعاء الماضي على السفير السعودي المعتمد في العاصمة الجزائرية وهو، ما الرسالة التي تود توجيهها إلى الشعب الجزائري والشعب المغربي لتعزيز الروابط بينهما؟
بث الفتنة والفرقة بين الشعبين المغربي والجزائري
الن يكون جوابه في تلك الحالة مطابقا وبنسبة كبيرة لرد السفير عبد الله بن ناصر البصيري، الذي قال: «لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار بعض الحسابات الوهمية على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بنشر أخبار ومعلومات كاذبة تهدف إلى بث الفتنة والفرقة بين الشعبين المغربي والجزائري، ومن خلال منبركم هذا أدعو الجميع إلى عدم الانسياق خلف هذه الحملات والحسابات المزيفة، التي لا تعبر نهائيا عن المشاعر الصادقة والمحبة التي يكنها كل واحد منهما للآخر». قطعا لن يكون مستبعدا بالمرة أن يأتي الجواب على ذلك النحو، فمع أنه لا يمكن أن تكون تلك الوسائط مشجبا تعلق عليه كل الخطايا التي ارتكبت على مدى عدة عقود، وتنسب لها بالتالي كل الأزمات التي عرفتها العلاقات الجزائرية المغربية، إلا أنه ينبغي عدم الاستهانة، أو التقليل أبدا من كون جزءا كبيرا من التوترات والأجواء الملتهبة والمشحونة، التي ظلت سائدة بينهما كانت في الواقع من إنتاجها وصنعها الحصري، لكن كيف تم ذلك؟ ومن أطلق ما يعرف بالذباب الإلكتروني ووفر له كل الإمكانات والوسائل، حتى يترعرع وينتشر بسرعة مذهلة، ويهيمن على جزء كبير من تلك الشبكات؟
آن الأوان الآن، لأن يسأل الجزائريون والمغاربة عما فعلت بهم ما سميت مواقع التواصل الاجتماعي
لقد آن الأوان الآن، لأن يسأل الجزائريون والمغاربة أنفسهم عما فعلت بهم ما سميت، ومن باب المفارقة، مواقع التواصل الاجتماعي، فهل تراها زادتهم لحمة وألفة وقربا من بعضهم بعضا؟ أم أنها ساهمت وبقسط وافر وكبير في توسيع الهوة بينهم، ونفثت وبقوة ريح الفرقة والعداء في صفوفهم؟
لعل مثالا واحدا قد يعطي الدليل على درجة النفوذ والتأثير، التي باتت تمارسه عليهم، فقد طرح الانقطاع الكبير والمفاجئ للكهرباء أواخر الشهر الماضي في إسبانيا والبرتغال وأجزاء من جنوب فرنسا، الذي استمر لعدة ساعات، كثيرا من الأسئلة وبقي إلى الآن لغزا محيرا. ورأى فيه كثيرون ومن دون شك عملا مدبرا، واعتبره آخرون هجوما سيبرانيا مخططا وبدقة شديدة من جهة ما، لكن أغرب ما في القصة كلها هو أنه سريعا ما تحول إلى مادة دسمة لتبادل الاتهامات بين الجزائريين والمغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما حتى في بعض وسائل الإعلام، بضلوع كل بلد من بلدانهم فيه، رغم أن رئيس الوزراء الإسباني كان قد طلب من الإسبان، أن يمتنعوا عن التكهنات قائلا لهم، إنه لم يتم استبعاد أي فرضية بشأن سبب انقطاع الكهرباء، قبل أن يشكر حكومتي فرنسا والمغرب لسرعة تدخلهما بسحب الكهرباء من بلديهما حتى تمت استعادة الطاقة بشمال وجنوب إسبانيا.
لكن ما الذي سيحصل إن انقطعت الإنترنت غدا بدلا من الكهرباء في الضفة الجنوبية للمتوسط؟ هل ستحدث حينها الطامة الكبرى، وسيتبادل البلدان المغاربيان وعلى الفور الاتهامات بالوقوف وراء ما قد يعتبره كل واحد منهما عملا عدائيا سافرا، يستهدف أمنه واستقراره؟
لن يكون مستبعدا أن ينظر إلى ذلك الأمر بمثل تلك الحساسية الشديدة، في ظل ما تعرفه علاقة الجارتين من توتر ملحوظ، وأيضا للارتباط المباشر لتلك الشبكة بعدة جوانب أمنية وعسكرية في المقام الأول، لكن بعيدا عن تلك الاعتبارات المهمة وبلا شك، وفي علاقة بالحياة اليومية والعادية للشعبين، كيف سيتصرف الجزائريون والمغاربة إن هم عجزوا عن الدخول مثلما اعتادوا إلى الشبكة العنكبوتية، وحيل بينهم وبين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
هل سيعودون حينها إلى العصر الحجري مثلما وصف طبيب إسباني على إحدى الإذاعات المحلية، حال الإسبان في ساعات انقطاع الكهرباء؟ طبعا لا.. لن يحدث ذلك، بل إن كل ما سيحصل حينها هو أن ينعم الجزائريون والمغاربة بلحظات، أو ساعات هادئة وخالية من تشويش الذباب الإلكتروني وطنينه المعتاد في تلك المواقع. لكن هل يكمن الحل إذن في غلق تلك المواقع، أو حجبها تماما في البلدين، حتى يقضى تماما ونهائيا على ذلك الذباب، ويفقد أي دور أو تأثير على الشعبين؟ لا يبدو أن ذلك سيكون خيارا عمليا أو واقعيا وناجعا، لكن ما الذي يمكن فعله إذن؟
البديل هو الصدق والشفافية
إن محاصرة ذلك الذباب وقطع الطريق عليه لن تكون ممكنة إلا بوجود البدائل، وهي واضحة ومعروفة ويمكن اختصارها في شيئين هما الصدق والشفافية. وهذا لا يتأتى إلا إذا استطاعت وسائل الإعلام في البلدين أن تتحرر من القيود الثقيلة التي ما زالت تكبلها، وتقوم بدورها الحقيقي في تقريب الشعبين وجمعهما وتبتعد عن تصوير الجار وكأنه كائن شرير.. وربما يقول البعض إن ذلك يبدو مثاليا للغاية، لكن ما المانع من أن يجرب الجزائريون والمغاربة. ففي كل الأحوال لن يندموا.