
عودة الى عمق المغرب المنسي، حيث تتوارى الحياة خلف تضاريس الهشاشة، حلت جمعية “صوت النساء المغربيات” اول امس الأربعاء 28 ماي الجاري ، في زيارة تضامنية ومواساة لأسر ضحايا حادثة السير المروعة التي أودت بحياة نساء عاملات زراعيات، في 4 دواوير لا تزال تئن تحت وطأة المأساة.
وتقول عائشة السكماسي “ما كان يفترض أن يكون تعبيرا عن التعاطف، سرعان ما تحول إلى لحظة صادمة.
ارتفعت حصيلة ضحايا الحادث المروع ليومه الاثنين 26 ماي الجاري بسبت الكردان بإقليم تارودانت بجهة سوس ماسة الى 6 ضحايا، من بينهم أم تبلغ من العمر 68 سنة وابنها ذو 37 عاما، ليلتحقوا ب ال4 نساءا للوات سبق أن قضين في الحادث.
نساء خرجن بحثا عن لقمة العيش… فعُدن نعوشا
منذ الثالثة والنصف فجرا من ذلك اليوم المشؤوم، خرجت النساء ال6 من بيوتهن المتواضعة، محملات بالأمل والواجب، كنّ معيلات لأسرهن، بينهن الأرملة والمطلقة والشابة، وأخريات ينهضن بمسؤوليات زوج غائب أو عاجز، لم يكن في الأمر رفاهية، بل ضرورة فرضتها هشاشة الواقع.
تاركات خلفهن بيوتا لا تزال قيد البناء، بيوتا لم تبنها مقاولات، بل بنتهن أناملهن المتعبة، يوما بعد يوم، في صمت مليء بالكفاح.
تروي عائشة السكماسي “الزيارة الميدانية لم تكن مجرد رصد للواقع، بل مواجهة مباشرة مع تفاصيل الفقد: وجوه مكلومة، أبواب نصف مغلقة، وأطفال في عمر الورد يحاولون فهم ما لا يُفهم.”
خديجة: طفلة تواجه الامتحان واليتم في وقت واحد
وفي أحد المنازل، كانت خديجة تستعد لاجتياز امتحان السنة التاسعة إعدادي، يتيمة الأم، ابنة لامرأة مطلقة، وجدت نفسها فجأة وحيدة في محطة تحتاج فيها إلى كل دعم معنوي.
ذكاؤها ظاهر، لكن نظراتها الشاردة وصمتها العميق يرويان قصة أكثر قسوة من أن تُختصر في كلمات، اليتم في هذا العمر ليس مجرد غياب، بل اختلال في كل موازين الطفولة.
طفلة أخرى تنتظر عودة أمها… بلا إجابة
في بيت آخر، طفلة في ال9 من عمرها لا تزال تستقبل الزوار بفرح بريء، دون أن تستوعب ما يدور حولها. عيناها تطرحان سؤالا معلقا: “هل يمكن لأحد أن يشرح لي ما حدث؟”
حين سألت والدها إن كانت أمها ستعود، رد عليها بصوت خافت: “إن شاء الله”.
لكن الحقيقة معلقة في الهواء، بلا مفسر، بلا حضن يشرح، بلا قوة تحمي.
وجع يتجاوز العائلات إلى جسد جماعي مهمل
هذه المأساة ليست مجرد فقد ل6 أرواح، بل صورة مكثفة لواقع نساء يدفعن ثمن البقاء في هامش الخريطة. نساء يسدن فراغات دولة غائبة، بأجسادهن وكرامتهن، في المعامل والحقول وورشات البناء.
تقول عائشة السكماسي الزيارة التي قامت بها الجمعية لم تنته عند حدود التضامن، بل طرحت تساؤلات موجعة:
• من يرافق هؤلاء الأطفال اليوم؟
• من يرمم الفراغات العاطفية والاقتصادية؟
• من يعيد الاعتبار لحياة كانت تُبنى حجرا حجرا، وانهارت في لحظة واحدة؟
وتجدر الإشارة إلى أن جمعية صوت النساء المغربيات كانت من بين أولى الهيئات الحقوقية والنسائية _ الحركة النسوية_ التي تفاعلت مع الحادث، حيث أصدرت بيانً في يوم وقوعه الحادث، طالبت فيه بفتح تحقيق فوري وشامل لتحديد المسؤوليات، وضمان المتابعة القضائية للمتورطين، كما دعت إلى وضع حد للاستهتار بأرواح العاملات الزراعيات من خلال تنظيم قطاع نقلهن وتأمين شروط عمل تحفظ كرامتهن وسلامتهن الجسدية والنفسية
ما بعد الصدمة… مسؤولية دولة ومجتمع
المأساة التي عاشتها هذه النساء ليست قضاء وقدرا فقط، بل نتيجة سياسات تنموية غير عادلة، وتفاوتات اجتماعية صارخة، ومحدودية الحماية الاجتماعية للفئات الهشة، ما يحتاجه هؤلاء اليوم لا يقتصر على زيارات المواساة، بل على تدخل حقيقي، مستدام، وفعال يضع كرامة المواطن لا سيما المرأة القروية في صلب أولوياته.