في خطوة تُعد من أبرز محطات إعادة الهيكلة في قطاع البناء المغربي، أعلنت شركة “الأشغال العامة للبناء بالدار البيضاء” (TGCC)، المدرجة في بورصة الدار البيضاء_http://هي السوق المالي الوحيد في المغرب وتعد الأولى مغاربيا والثالثة عربيا _وأكبر فاعل في مجال البناء، عن استحواذها على 60% من رأسمال شركة “الأعمال الزراعية المغربية” (STAM) مقابل 2.5 مليار درهم (270 مليون دولار)، وتُعد هذه الصفقة إحدى أكبر عمليات الاستحواذ في المجال خلال العام الجاري، وتؤشر على دينامية جديدة في قطاع استراتيجي يتأهب لمشاريع ضخمة بمناسبة الاستحقاقات الرياضية المقبلة.
تحولات بنيوية في مشهد البناء المغربي
يرى الخبير الاقتصادي يوسف بنطلحة، المتخصص في أسواق المال والصفقات الكبرى، أن هذه الخطوة “تعكس وعياً استراتيجياً لدى TGCC بأهمية التموقع المبكر في سوق يتّجه إلى التحول من الطابع المحلي إلى الإقليمي والدولي”، مضيفاً أن “الاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030 تفرض تحولات كبرى في بنية القطاع، واللاعبون الكبار يدركون أن من لا يوسّع شبكته الآن سيفوته قطار الفرص القادمة”.
“STAM”: من الزراعة إلى البنية التحتية
“STAM”، التي تأسست سنة 1965 على يد الفرنسي لويس بودراند، بدأت مسارها في القطاع الزراعي، قبل أن تتوسع لتشمل مجالات البناء، الطرق، شبكات المياه،
والأنشطة السياحية. ووفق محللة الأسواق الناشئة مريم الإدريسي، فإن “STAM ظلت تحتفظ بطابعها العائلي، لكنها تمكنت من ترسيخ سمعة تقنية ومهنية عالية جعلت منها هدفاً مغرياً لشركات بحجم TGCC، الباحثة عن التكامل العملياتي والخبرة الميدانية”.
وتضيف الإدريسي أن “الاحتفاظ بنسبة 40% من قبل عائلة بودراند يحمل دلالات استراتيجية، إذ سيساعد على ضمان انتقال سلس واستمرار للمشاريع المشتركة، مع الحفاظ على روابط STAM التاريخية وشبكتها المحلية”.
تحالفات إقليمية: الرهان على السعودية كمركز توسع
خارج الحدود المغربية، تواصل “TGCC” توسيع نشاطها بوتيرة لافتة، وآخر تحرك في هذا السياق تمثل في توقيع تحالف مع مجموعة “نايف الراجحي الاستثمارية” بالسعودية، لتطوير مشاريع عقارية ضخمة في واحدة من أكثر الأسواق العقارية دينامية في العالم حالياً.
وفي هذا السياق، يُعلق الخبير في استراتيجيات التوسع الإقليمي حسن الكوهن بالقول: “الاختراق الذي حققته TGCC للسوق السعودية لم يكن مفاجئاً، بل هو ثمرة تتويج لعقود من التجربة والانضباط المؤسسي.
السعودية اليوم ليست فقط سوقاً واعدة، بل منصة إقليمية للتوسع نحو الخليج وإفريقيا”.
مؤشرات مالية صلبة ومشاريع تتجاوز المليار دولار
من الناحية المالية، تظهر أرقام TGCC قدرتها على خوض صفقات ضخمة بثقة، إذ حققت العام الماضي أرباحاً صافية تُقدّر بـ56 مليون دولار، بزيادة سنوية بلغت 44%، وتفوق قيمة الطلبيات التي بحوزتها حالياً المليار دولار.
ويؤكد الخبير المحاسباتي والمالي عبد المجيد مريني أن “الصفقة مع STAM لن تُثقِل كاهل TGCC، بل ستمنحها قاعدة أوسع لتنفيذ المشاريع الكبرى، خاصة في ظل قدرة الشركة على الحفاظ على هامش ربح مرتفع وإدارة مواردها بشكل مرن”.
فرص نمو غير مسبوقة بفضل المشاريع الكبرى
تتوقع TGCC طفرة جديدة في مشاريع البنية التحتية والفنادق والتعليم والصحة، مدفوعة أساساً بتحضيرات كأس أمم أفريقيا وكأس العالم، وقد جاء في بيان رسمي للشركة أن “آفاق القطاع إيجابية بفضل تدفقات الاستثمار العام والخاص، وتنامي الطلب على الخدمات الهندسية المتقدمة”.
ويعلق المهندس والمحلل في مجال البنيات التحتية جمال شقيري: “المغرب يشهد تحوّلاً جذرياً في بنيته الحضرية، من المطارات إلى الطرق والملاعب، و المقاولات التي تتمتع برؤية استباقية مثل TGCC ستستفيد من الزخم على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل”.
صفقة مدروسة في توقيت حاسم
الاستحواذ على STAM ليس مجرد توسيع أفقي لنشاط شركة مغربية رائدة، بل هو إعادة رسم لخريطة قطاع البناء، من خلال دمج الخبرة التاريخية والرأسمال البشري المحلي، مع الرؤية التوسعية لمنظومة أعمال متكاملة، هذه تمثل هذه الصفقة مؤشراً واضحاً على دخول قطاع البناء المغربي مرحلة جديدة من الاحتراف والتنافسية، ترسمها قرارات استراتيجية جريئة وتحركات محسوبة.