الرئسيةثقافة وفنون

لعبة الحبار 3: حين تتحول الدراما لمرآة دامية للواقع

ما زالت أصداء الجزء الثالث من المسلسل الكوري الجنوبي الشهير “لعبة الحبار” مستمرة، بعد أن حصد نجاحًا استثنائيًا على منصة نتفليكس، مسجّلًا أكثر من 60 مليون مشاهدة في أول ثلاثة أيام فقط من عرضه أواخر يونيو الماضي، واقترب بذلك من حاجز المليار مشاهدة، ليصبح أول عمل غير ناطق بالإنجليزية يحقق هذا الرقم على المنصة.

في هذا الموسم، لا يكتفي صناع المسلسل بإعادة إنتاج العنف الرمزي الذي طبع الموسمين السابقين، بل يذهبون أبعد، إلى تفكيك بنية السلطة، وتعرية منظومة الاستغلال، متسلحين بالخيال والسوداوية، وبشخصيات تدفعنا إلى التأمل أكثر من التصفيق.

حكاية جديدة… وقواعد أكثر قسوة

الجزء الثالث من المسلسل لم يكن تكرارًا لما سبق، بل خروجًا مدروسًا عن النمط المعتاد. لم تعد اللعبة مجرّد تحدٍ للفوز بالمال، بل تحوّلت إلى اختبار أخلاقي صارم: مَن يستحق الحياة؟ مَن يُقرر مصير الآخر؟

تبدأ الحكاية بموسم أكثر قتامة، حيث تُطرح لعبة جديدة بقواعد أكثر تعقيدًا، ويُدفع اللاعبون – ومن خلفهم المشاهدون – إلى مواجهة أسئلة وجودية عميقة. وفي أحد أكثر المشاهد إثارة للجدل، يظهر طفل رضيع يفوز باللعبة النهائية، ما أثار عاصفة من الانتقادات حول رمزية المشهد وجرأته الإخراجية.

جمهور منقسم ونقاش محتدم

لم يمر المسلسل دون ضجيج، على العكس، أثار جدلا واسعا بين من رأى فيه عمق نفسي وإنساني غير مسبوق، وبين من اتهمه بالافتعال والانحراف عن روحه الأصلية.

امتد النقاش من منصات التواصل إلى صالات النقاد، حيث أشيد بتمثيل عدد من الوجوه الجديدة، وبجرأة الطرح، لكن انتُقد بشدة ما اعتبر “تضخيما دراميا” في بعض الحلقات، خاصة ما يتعلق بالنهاية المفتوحة والمشهد الذي أثار صدمة جماهيرية.

هوانغ دونغ‑هيوك يرد: “الواقع أقسى من الخيال”

المخرج الكوري الجنوبي هوانغ دونغ‑هيوك خرج عن صمته في حوارات متفرقة، مؤكدا أن النهاية كانت مقصودة تماما، وأنه اختار أن تكون صادمة لتعبّر عن قساوة العالم الحقيقي، هذا وأضاف أن تباين ردود الفعل كان متوقعًا، بل ضروريًا في عمل يحاول مساءلة مفاهيم مثل الاستحقاق، العدالة، والمصير.

وفي الوقت الذي بدأت فيه شائعات حول موسم رابع تنتشر، أوضح دونغ‑هيوك أنه لا يفكر حاليًا في جزء جديد، لكنه لا يستبعد إنتاج أعمال موازية تدور في نفس العالم السردي، تستكمل حكايات شخصيات لم تُمنح بعد فرصة الحضور.

ما بعد النجاح: هل يصمد الإرث أم يتبخر؟

بقدر ما شكّل “لعبة الحبار” ظاهرة ثقافية منذ موسمه الأول، بقدر ما يطرح اليوم سؤال جوهري،  هل نعيش أمام عمل قابل للبقاء، أم أننا إزاء “فقاعة سردية” قد تنفجر مع مرور الوقت؟

الموسم الثالث، رغم بعض التذبذبات، حافظ على الزخم، وأعاد تسليط الضوء على إمكانيات الدراما الكورية في اقتحام السوق العالمية، وتأكيد أن قوة السرد لا ترتبط بالضرورة باللغة أو الهوية الجغرافية، بل بالقدرة على لمس الأسئلة الكبرى التي تؤرق الإنسان في كل مكان.

قد لا يكون “لعبة الحبار” مجرد مسلسل، بل هو تجلٍ فني للهوة التي تفصل بين العدالة الاجتماعية وخيارات البقاء. وإذا كان قد نجح في شيء، فهو أنه حوّل المتفرج  دون أن يدري إلى مشارك في لعبة كونية أشد فتكًا: لعبة الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى