حدث بالقنيطرة ولصحافية من “دابا بريس”…الحق في العلاج بين فظاظة السلوك وسقوط الضمير المهني
31/07/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في مشهد يعكس بمرارة واقعًا متردّيًا في أحد أكثر القطاعات حيوية في حياة المواطن المغربي، عشت، كأم، تجربة قاسية صباح اليوم، وأنا أرافق ابني إلى مصحة الضمان الاجتماعي بالقنيطرة، في حالة طارئة، بعد أن استفاق وهو يعاني من ألم حاد في الصدر وعسر في التنفس.
كانت خطواتي تسابق دقات قلبي، وحدها مشاعر الخوف تدفعني لتجاوز أي عراقيل، دخلتُ بابمصحة الضمان الاجتماعي بالقنيطرة والابن بين ذراعي يتألم، وقصدتُ قسم المستعجلات ، على أمل أن أجد الأمان والطمأنة.. إلا أني وجدت نفسي أمام طبيبة رفضت حتى النظر إلى الطفل.. “اليوم عطلة، وأنا لا أعاين الأطفال، خذيه إلى المصحة الخاصة” كدا”…” هكذا بكل برود، ودون أي اعتبار لحالة الطفل أو شعور أم مذعورة، كان ردها جاف وهي توجهني إلى مصحة خاصة بالاسم.
طبيب يرفض المعاينة في المستعجلات؟ هل هذا واقع الصحة العمومية؟
حين طلبتُ منها معاينة طفلي ولو بشكل أولي، فقط لتطمئنني وتساعدني على التصرف السليم، جاء الرد صارخاً في وجهي، مصحوباً بلهجة مستفزة، وبتعامل يفتقر لكل ما هو إنساني وأخلاقي.. ليست المشكلة فقط في رفضها للمعاينة، بل في طريقة الرفض، في غياب أي تعاطف، وفي إسقاط تام لمبادئ مهنة الطب التي تُفترض أن تكون مهنة الرحمة قبل كل شيء، وكأن آلام الناس تخضع لتوقيت إداري.
فأنا لم أطلب معجزة، فقط أردت منها أن تطمئنني على حالة ابني، أن تنظر إليه بعين الطبيب، أو بعين الأم إن بقي شيء من ضمير المهنة.. لكن الرد كان صادمًا، لا يحمل ذرة تعاطف، ولا حتى لباقة. شعرت وكأنني أخاطب جدارًا لا يرى أمامه طفلًا مريضًا ولا أمًا مذهولة بين الخوف والغضب.
شهادات العاملين بالمصحة: “طبيبة دون المستوى”
لم ينتهِ المشهد هنا. فمع تصاعد المشادات الكلامية، تدخل بعض العاملين بالمصحة، الذين أقروا بصراحة أن الطبيبة المعنية “ليست في مستوى التعامل مع المرضى” ، واتصلوا بطبيبة مختصة قامت فورًا بفحص ابني، وقدمت له العناية اللازمة، مشكورين على هذه المبادرة الإنسانية.
وهنا، لم أعد أماً فقط، بل “مواطنة تطرح أسئلة كبرى” حول ما يحدث في مؤسسات يفترض أنها أنشئت من أجل خدمة المواطن، خصوصًا من لا يملك ترف الذهاب إلى المصحات الخاصة التي تحولت، للأسف، إلى وجهة إجبارية لأبناء الفقراء في حال أرادوا النجاة بأرواحهم.
بين خطاب “الدولة الاجتماعية” وواقع المستشفيات العمومية
هذا المشهد الصغير هو صورة مصغّرة لما يعانيه المواطن المغربي، خاصة البسيط، الذي لا يملك رفاهية اختيار المصحات الخاصة، ولا قوة الصراخ في وجه موظف مهمل، ولا الوقت لملاحقة الشكايات التي غالباً ما تنتهي في رفوف النسيان.
كم من شخص خسر حياته لأنه لم يجد من يمد له يد الإسعاف في الوقت المناسب؟ وكم من مواطن يبتلع آلامه بصمت لأنه لا يملك ثمن التشخيص؟ إنه واقع ينسف كل الشعارات الرسمية حول تعميم التغطية الصحية والدولة الاجتماعية و”الحق في العلاج”،ما حدث اليوم يمثل حلقة ضمن سلسلة من التردي والإهمال واللامبالاة التي يعاني منها قطاع الصحة العمومية.
لا أحد يُعمم، ولا أحد يُنكر وجود أطباء شرفاء، يعملون بتفانٍ وسط ظروف قاسية ونقص في الموارد.. لكن في المقابل، لا يمكن التغاضي عن سلوكيات مهنية غير مقبولة قد تكلّف المرضى حياتهم.
دعوة للمحاسبة والإصلاح
هذه الواقعة يجب ألا تمرّ مرور الكرام.. لا من باب الانتقام، بل من باب المطالبة بمحاسبة مهنية صارمة، وإعادة هيكلة علاقة الطبيب بالمريض على أسس أخلاقية وقانونية، فالمريض، خاصة الطفل، ليس رقمًا في سجل، بل حياة يجب أن تُصان.
كما يجب إعادة النظر في أيام المناوبة، والتخصصات التي يجب أن تكون متوفرة على مدار الأسبوع في المستعجلات، لأن الأمراض لا تختار توقيتًا،
ولا تنتظر العطل الإدارية.
في النهاية، لم أكتب هذا المقال لأنتقم من طبيبة، بل لأصرخ بلسان كل أم، وكل مواطن بسيط، واجه لحظة قهر داخل مؤسسة من المفروض أن تكون مرجعاً للثقة والرعاية. أكتبه لأقول: الصحة ليست امتيازاً، بل حق.. والضمير المهني ليس خياراً، بل واجب.