
في رسالته التأطيرية لمشروع قانون المالية 2026، بدا عزيز أخنوش كمن يوزّع تذاكر مجانية لرحلة إلى المستقبل: مطارات بمليارات الدراهم، و أسطول طائرات بحجم الدول الكبرى، قطارات تسبق الريح، وموانئ تتسع لأحلام التجارة العالمية، طاقات متجددة وهيدروجين أخضر يلمع في نشرات الأخبار، وسيادة رقمية تحلّ كل المشاكل بضغطة زر.
لكن المشكلة أن معظم المغاربة لم يتسلموا حتى تذكرة دخول إلى محطة الانطلاق.. في “مغرب السرعتين”، السرعة الأولى تمضي في مسار معبّد بميزانيات ضخمة، والاجتماعات الفاخرة، والخرائط الاستراتيجية التي تمتد لعقدين قادمين. والسرعة الثانية تتعثر بين مدرسة بلا سقف، ومستشفى بلا طبيب، وطريق قروي ينتظر تعبيده، منذ عهد المراسلات الورقية، ومواطنون مازلوا يحضرون قرب الماء من مسافات بعيدة على ضهر الحمار.
ماذا عن ربط المواطن بصنبور ماء في منزله
الرسالة/المنشور تقول إننا سنربط بين الجهات ونفك العزلة، لكن في الواقع، العزلة صارت أسلوب حياة لكثيرين: عزلة عن الخدمات، عن فرص العمل، عن القرارات التي تُتخذ باسمهم. ميناء الداخلة الأطلسي قد يربط المغرب بالمحيطات، لكن ماذا عن ربط المواطن بصنبور ماء في منزله، بقارورة غاز وزيت ودقيق وسكر لا يلتهم أكثر من نصف أجره، أو بسلة خضر لا تتطلب قرضًا صغيرًا؟، وسكن لائق بدل قرض لمدى الحياة..
أما الهيدروجين الأخضر، فهو جميل في تقارير الاستثمار، لكن جارتك التي تطبخ على “البوطة” تعرف جيدًا أن لون الطاقة في مطبخها ليس أخضر، بل رمادي من دخان الغلاء.
والسيادة الرقمية قد تحمي بياناتنا الا محمية حتى الآن رغم ما إلتهمته وزارة الانتقال الرقمي من ميزانيات ضخمة، لكن السيادة على الجيوب الفارغة أمام فواتير الماء والكهرباء اهم لشعب يئن تحت وطأة الغلاء.
المشهد أشبه بقطار فائق السرعة يمرّ وسط محطة مكتظة، يثير ضجة هائلة، يلمع في الصور، لكنه لا يتوقف أبدًا، فركاب الداخل يحتفلون بالقهوة الفاخرة، والواقفون في الخارج يتابعون الغبار ويرجعون إلى مشيهم البطيء على طرق محفّرة، ركاب داخل يصفقون لمروكو حيث ينعمون بأفضل تمريض و لأبنائهم أفضل تعليم بينما الواقفون في الخارج يعيشون في المغرب المنسي لا تعليم لا صحة.