
في مشهد يخلط بين أحلام المستقبل وواقع حاضر مثقل بالأزمات، أعلن المغرب عن دخوله نادي “التاكسي الجوي الكهربائي”، عبر شراكة ثلاثية الأطراف مع شركتين من بريطانيا وإسبانيا، لتطوير طائرات كهربائية قادرة على الإقلاع والهبوط العمودي، باعتبارها بديلًا أكثر هدوءًا ونظافة من المروحيات التقليدية.. خطوة تبدو لامعة على الورق، لكنها تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة: أي مستقبل نخطط له ونحن ما زلنا نعجز عن تدبير نقل بري لائق لمواطنين يزدحمون يوميًا في “طوبيسات” متهالكة وقطارات تتأخر بانتظام وطرق مهترئة ؟
أرقام براقة… فوق أرض متصدعة
المشروع يقوم على طائرة “VX4” الكهربائية، المصممة لنقل أربعة ركاب إضافة إلى الطيار، بسرعة تصل إلى 240 كيلومترًا في الساعة وبمدى يفوق 150 كيلومترً..، أرقام مغرية تُسوّق كحل للنقل الحضري والإقليمي، وتُطرح مسارات تشغيلية بين ملقة وماربيا وروندا وحتى مناطق مثل سبتة ومليلية، غير أن المفارقة تكمن في أن المغرب، الذي يطمح للمساهمة في تصنيع أجزاء هذه الطائرات عبر استثمارات شركة “Aciturri” الإسبانية التي استحوذت على “GOAM Industrie” بالمغرب، ما زال يحتل مراتب متأخرة في مؤشرات النقل الحضري العالمي، حيث تشير بيانات وزارة النقل إلى أن أكثر من 40% من أسطول الحافلات الحضرية في المدن الكبرى متقادمة وغير مطابقة للمعايير البيئية.
شراكة تكنولوجية أم وهم صناعي؟
صحيح أن المغرب يسعى لترسيخ مكانته كمحور صناعي في الطيران، بعد أن بلغ رقم معاملات القطاع نحو 21 مليار درهم سنة 2023، لكن هذه الشراكات غالبًا ما تبقى في خانة “التجميع” أو تصنيع أجزاء ثانوية، بينما القيمة المضافة الحقيقية كالبحث والتطوير وبراءات الاختراع تظل محصورة في أوروبا.. فهل نحن أمام انتقال تكنولوجي حقيقي، أم مجرد “تسويق” لانفتاح المغرب على صناعات المستقبل دون أن ينعكس ذلك على تحسين حياة المواطن العادي أو تطور علمي معرفي ؟
رفاهية جوية مقابل أزمة أرضية
المفارقة الأكثر إيلامًا أن الإعلان عن مشروع التاكسي الجوي يأتي في وقت ما زال فيه أزيد من 30% من سكان العالم القروي بالمغرب يعانون من ضعف أو انعدام وسائل النقل المنتظمة، بحسب المندوبية السامية للتخطيط.. ناهيك عن مدن كبرى مثل الدار البيضاء والرباط التي تئن تحت وطأة اختناقات مرورية يومية تفقد الاقتصاد الوطني ما يقارب 3% من الناتج الداخلي الخام سنويًا.
كيف يعقل أن نخطط للانتقال جواً بالكهرباء فيما لا تزال طرق قروية تتحول إلى أوحال بمجرد تساقط المطر؟
بين الحلم والواقع
لا شك أن دخول المغرب مجال “التاكسي الجوي الكهربائي” يعكس طموحًا لمواكبة التحولات العالمية في النقل الأخضر، لكن الأهم من ذلك أن ترافق هذه المشاريع المستقبلية خطة جادة لإصلاح النقل البري الذي يمثل العمود الفقري للحياة اليومية لملايين المغاربة.
فمن العبث أن نحلق في سماء “التنقل النظيف” بينما الأرض تحتنا ما زالت غارقة في العشوائية والازدحام.