الرئسيةمجتمع

وزارة الصحة تُخفّض أسعار بعض الأدوية.. خطوة صغيرة أمام جبل من المعاناة

أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن قرار جديد يقضي بتخفيض أسعار نحو 25 دواءً، في خطوة وُصفت رسمياً بأنها “تعزيز للولوج إلى العلاج وتخفيف للعبء المالي عن المرضى”.. حيث شمل القرار، المنشور في الجريدة الرسمية، أدوية لعلاج أمراض شائعة مثل الكوليسترول والسكري وارتفاع ضغط الدم، إلى جانب بعض الأدوية المضادة للالتهابات.. فهل هذه التخفيضات تُعالج فعلاً أزمة الدواء بالمغرب، أم أنها فقط كمن يغطي الشمس بي غربال ؟

أمثلة تفضح المفارقة

فقد شملت التخفيضات أدوية مثل ZOCOR لعلاج الكوليسترول الذي انخفض ثمنه من 100.50 درهم إلى 72.90 درهم، ودواء ARCOXIA من 156.50 درهماً إلى 77.50 درهماً، إضافة إلى أدوية للضغط والربو مثل CHOLESTIN وSINGULAIR.. أرقام قد تبدو مشجعة في نشرة أخبار مسائية، لكنها تبدو هزيلة أمام واقع الدواء بالمغرب حيث تكاليف الأمراض المزمنة والخطيرة تُسقط مئات الأسر في الفقر المدقع.

لنأخذ مثالاً من الواقع: مريض سرطان الثدي يُعالج غالباً بدواء HERCEPTIN (هيرسبتين)، ثمن الجرعة الواحدة في المغرب يتجاوز 12 ألف درهم، بينما في الجزائر لا يتعدى سعرها 5 آلاف درهم، وفي تونس أقل من ذلك.. أي أن مريضة مغربية تحتاج في شهر واحد ما يقارب 20 إلى 24 ألف درهم إذا وُصفت لها جرعتان، أي ما يعادل أجور سنة كاملة لعامل يتقاضى الحد الأدنى للأجور.

إليك مثال آخر، دواء Avastin 400 mg يباع في المغرب بسعر يتجاوز 25,000 درهم، في حين لا يتجاوز ثمنه في مصر 5,100 درهم، أي بفارق يصل إلى 396 في المئة.. Glivec (سرطان الدم): ثمنه في المغرب حوالي 19,000 درهم للشهر، بينما لا يتجاوز 8000 درهم في تونس.. والأمثلة على ذلك كثيرة…

اين الدولة و التغطية الصحية من هذا؟

هذه الأرقام ليست مجرد مقارنة حسابية، بل صورة قاتمة تكشف كيف يُترك المواطن المغربي فريسة للسوق الدوائية، في بلد يتباهى بخطاب رسمي حول “تعميم التغطية الصحية الشاملة”، بينما نصف الأسر المغربية تدفع ثمن الدواء من جيبها، حيث أشار التقرير الرسمي لوزارة الصحة (2023) ان 50% من الأسر المغربية تدفع ثمن الدواء من جيبها مباشرة دون تغطية حقيقية من التأمين الصحي، في حين أن نفقات الأدوية تمثل أكثر من 47% من إجمالي نفقات الصحة لدى الأسر.. فهل يهم مريض سرطان يواجه فاتورة بـ20 ألف درهم أن يُبشر بتخفيض 30 درهماً على دواء الكوليسترول؟.. هذا الواقع يضع المرضى المزمنين أمام خيارين قاسيين: اما الامتناع عن الدواء و الدخول في طابور انتظار الموت أو الدخول في دوامة الاقتراض والاستدانة و ربما السجن كنهاية الديون المتراكمة .

فالأدهى من ذلك، أن الأدوية الجنيسة (المكافئة الحيوية) التي يُفترض أن تكون بديلاً أرخص، لا تزال غائبة في العديد من الحالات أو تُباع بأسعار لا تقل كثيراً عن الأصلية، مما يُفقد الإصلاح قيمته.

شركات الأدوية: ذهب أبيض على حساب المرضى

هنا تبرز المفارقة الأكثر سخرية: المغرب، بالرغم من ضعف قدرته الشرائية، يُعتبر من بين الدول التي تحقق فيها شركات الأدوية أرباحاً ضخمة.. حيث أشارت تقارير اقتصادية إلى أن هامش الربح في سوق الدواء المغربي يتراوح بين 30 و50%، في حين لا يتجاوز في تونس 15% وفي الجزائر حوالي 20%، أي أن نفس الشركات التي تبيع الدواء للمغربي بأضعاف ثمنه، تبيعه لجاره الجزائري أو التونسي بسعر أقرب إلى قدرته الشرائية.

الأمر لا يقف عند الشركات، بل يمتد إلى منظومة تسعير تُدار كأنها مزاد علني: شركات تضغط، وزارة تُساير، والمواطن يُذبح بصمت عند شباك الصيدلية.

إصلاح بالقطارة..

في هذا السياق،أكدت نقابات الصحة وجمعيات حماية المستهلك أن المشكل ليس في عدد الأدوية المخفضة بل في نوعيتها،و في غياب رؤية شاملة لسياسة الدواء، معتبرة أن المغرب لا يزال من بين الدول الإفريقية التي تعرف ارتفاعاً غير مبرر في أثمان الأدوية مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن.
و من جهته صرح الخبير الصحي محمد اليوسفي قائلا: “أي معنى لتخفيض بضع دراهم من دواء التهاب المفاصل، بينما آلاف المرضى يبيعون بيوتهم من أجل جرعة علاج السرطان، فالأولوية يجب أن تُمنح للأدوية الباهظة التي تهم الأمراض المزمنة والخطيرة، لأنها هي التي تدفع المواطن نحو الفقر”.

موسم التخقيضات مقابل معادلة استشفاء مستخيلة

وبين خطاب رسمي يتغنى بـ”تعميم التغطية الصحية” وخطوات جزئية كتخفيض ثمن دواء بـ30 أو 40 درهماً، تبقى الحقيقة مؤلمة: الدواء في المغرب ما يزال “ترفاً” لا حقاً اجتماعياً.. فالمريض البسيط ما زال يقف عند أبواب الصيدليات، يحسب الدراهم بحذر، ويختار أحياناً بين شراء الدواء أو كيس دقيق يسد به رمق أسرته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى