مغرب ما قبل 2026: جدل الإصلاح الانتخابي بين الرهانات الحزبية وانتظارات الشارع
02/09/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
مع نهاية غشت، أسدلت وزارة الداخلية الستار على المهلة المخصصة أمام الأحزاب السياسية لتقديم مذكراتها المتعلقة بمراجعة القوانين المؤطرة للانتخابات التشريعية المقررة في شتنبر 2026..
خطوة تبدو تقنية في ظاهرها، لكنها تحمل أبعاداً سياسية أعمق ترتبط بمستقبل الثقة في العملية الانتخابية برمتها، خاصة بعد التوجيه الملكي الوارد في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2025، الذي شدّد على ضرورة صياغة ترسانة قانونية جديدة قادرة على تكريس النزاهة والشفافية.
خلفية سياسية: بين إرادة الإصلاح وهاجس الثقة
فتحت وزارة الداخلية نقاشاً موسعاً مع القيادات الحزبية، مطالبة بمذكرات مكتوبة تحمل رؤاها حول تعديل القوانين الانتخابية الثلاثة (مجلس النواب، مجلس المستشارين، الجماعات الترابية) إضافة إلى القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.. و الهدف المعلن هو تجاوز التشكيك الذي رافق محطات انتخابية سابقة، وضمان مسار أكثر مصداقية، في وقت لا تزال نسب المشاركة الشعبية تراوح مكانها عند مستويات مقلقة.
مقترحات تعكس هواجس متباينة
كشفت المذكرات الحزبية عن تباين في الأولويات، وإن اجتمعت بعدها على قضايا محورية ثلاث: تشديد الرقابة على المال الانتخابي في هذه النقطة البعض وليس كل المشهد الحزبي، تعزيز حضور الشباب والنساء، وضمان حياد الإدارة..
في هذا السياق دفع التجمع الوطني للأحرار نحو توسيع المشاركة عبر رفع نسب التمثيلية وتمكين الجالية من التصويت الإلكتروني، مع مراجعة نمط الاقتراع لمعادلة التوازن بين الحواضر والقرى، و من جهته شدّد الأصالة والمعاصرة على مراقبة التمويل الانتخابي بعقوبات أكثر صرامة، وإحداث هيئة قضائية خاصة بالحملات، مع تعديل القاسم الانتخابي لصالح الأحزاب المتوسطة والصغرى.
في حين ركّز الاستقلال على الجهوية السياسية وتعزيز كفاءة النخب، إلى جانب إشراك المجتمع المدني في المراقبة، هذا و اختار العدالة والتنمية خطاب الشفافية التقنية عبر الدعوة لأنظمة إلكترونية لمراقبة الفرز، مع تقليص العتبة الانتخابية لصالح التعددية، فيما ألحّ الاتحاد الاشتراكي على إصلاح قوانين الحملات وتوزيع منصف للوقت الإعلامي، واقترح تحفيزات مالية للأحزاب التي ترشّح شباباً ونساء، و وضعت الحركة الشعبية العالم القروي في صلب أولوياتها، مطالبة بمراجعة التقطيع الانتخابي وتخفيف شروط التزكية الحزبية.
و من جهتها ذهبت فيدرالية اليسار واليسار الموحد الى أبعد من ذلك ، بالدعوة إلى إلغاء العتبة نهائياً معتبرة أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بتمكين الأصوات الهامشية و اعتماد إعلام عمومي حيادي بالكامل، كما و ركّز الاتحاد الدستوري على حياد الإدارة وتعزيز مراقبة التمويل، إلى جانب برامج تشجع الشباب على الانخراط السياسي.
التوازن الصعب: تعددية سياسية أم استقرار حكومي؟
التحدي الذي يواجه المشرّع اليوم يتجاوز مجرد هندسة تقنية للنصوص القانونية، إذ يتعلق بإيجاد صيغة تضمن التعددية السياسية دون السقوط في فخ التشرذم الذي يعقّد تشكيل الحكومات. فالتجارب السابقة أبانت أن الإفراط في تفتيت الخريطة الحزبية يعطّل الفعالية التشريعية ويضعف الحكومات، بينما التشديد المفرط يفرغ الديمقراطية من محتواها التعددي.
سباق المقاعد وتعددية القوانين: هل تتحسن النجاعة؟
بين الحديث عن زيادة عدد مقاعد مجلس النواب لتعزيز التمثيلية النسائية والشبابية، ورفع العتبة الانتخابية لتسهيل دخول الأحزاب الصغيرة، يتساءل مراقبون: هل هذه التعديلات ستغير شيئًا في نجاعة البرلمان؟
في هذا السياق، اعتبر كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أكدال بالرباط، أن “رفع عدد المقاعد قد يحسن التمثيلية الترابية، لكنه لن يضمن مردودًا برلمانيًا أفضل، لأن الأزمة الحقيقية تكمن في ضعف الالتزام والحضور والمردودية التشريعية، وليس في عدد المقاعد”، ويضيف: “النجاعة مرتبطة بسلامة الذمة المالية والأخلاقية والترافع، لا بالزيادة العددية.”
الناخب المغربي.. الحلقة الأصعب في المعادلة
وسط هذا الحراك التشريعي، يظل الرهان الأكبر هو إعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع في أعين المواطن المغربي، في ظل عزوف شعبي عن الانخراط السياسي حيث يشير تقرير رسمي لمجلس المنافسة إلى أن 65% من المواطنين يعتبرون أن الانتخابات “مجرد إجراء روتيني لا يعكس إرادة حقيقية”، بينما 72% يرون أن المال السياسي ما زال يؤثر في النتائج، رغم العقوبات القانونية.. وهو ما يجعل نجاح هذه الإصلاحات رهيناً بقدرتها على إقناع الناخب أن صوته قادر فعلاً على إحداث التغيير.
نحو دورة خريفية ساخنة
ستشرع وزارة الداخلية قريباً في دراسة المذكرات وتجميعها قبل تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان خلال دورة الخريف،. الاي ستشكل مرحلة حاسمة تكشف مدى استعداد الطبقة السياسية للقطع مع أعطاب الماضي، وصياغة مشهد انتخابي يراهن على الشفافية والتجديد، بدل إعادة إنتاج نفس المعادلات والاعطاب التي ساهمت في عزوف الناخبين.
بهذا المعنى، تبدو انتخابات 2026 أكبر من مجرد محطة دورية، بل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الدولة والأحزاب على بناء جسر ثقة جديد مع المواطن، في زمن تتقاطع فيه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية مع حاجة ملحة لإحياء الأمل في الفعل السياسي.