اقتصادالرئسية

شرط غامض يطلق رصاص الجدل: هل يتحول القنص في المغرب إلى ضريبة مقنّعة؟

في مشهد يختلط فيه العبث بالبيروقراطية، وجد آلاف القناصة المغاربة أنفسهم هذا الموسم في مرمى شرط جديد لم يرد في أي نص قانوني، يقضي بضرورة الإدلاء بوصل الانخراط في الجامعة الملكية المغربية للقنص للحصول على رخصة الصيد.

شرط غريب فجّر موجة من الغضب، خصوصًا وأن المرجعيات القانونية المؤطرة للقطاع، وعلى رأسها ظهيرا 1923 و1956، لم تشر في أي موضع إلى هذا النوع من الإلزام.

أرقام تكشف حجم القطاع وأهميته الاقتصادية

المفارقة أن المغرب يتوفر على قاعدة عريضة من ممارسي القنص، إذ تشير تقديرات الوكالة الوطنية للمياه والغابات إلى وجود أكثر من 80 ألف قناص مسجل رسميًا، موزعين على حوالي 1.500 جمعية عبر التراب الوطني. هذا النشاط ليس مجرد هواية، بل قطاع اقتصادي يولّد سنويًا عائدات تتجاوز 50 مليون درهم، سواء عبر الرسوم القانونية، أو تنظيم رحلات القنص السياحي، أو تأهيل المجالات الطبيعية التي تمتد على مساحة تقدر بـ 2.5 مليون هكتار مخصصة للقنص.. وبالتالي، فإن أي قرار إداري خارج القانون يهدد بإرباك منظومة متشعبة تمس البيئة، الاقتصاد المحلي، وصورة المؤسسات الوصية.

الجامعة… من مؤسسة وصاية إلى “شركة تحصيل”

القانون واضح: القناص مطالب بالانخراط في جمعية قنص مرخّصة، وتسديد واجب قانوني قدره 100 درهم ينشر في الجريدة الرسمية ويؤدى مع الرخصة.. لكن الجامعة، التي من المفترض أن تحصل على مواردها المالية من اشتراكات الجمعيات المنضوية تحت لوائها، قررت القفز على النصوص، مطالبة القناصة بأداء واجب إضافي فردي.

البطاقة البنكية… رصاصة في قدم القناصين

الإجراء لم يقف عند هذا الحد، إذ فُرض الأداء عبر البطاقة البنكية حصريًا، في بلد ما زالت فيه نسبة الولوج للخدمات المالية محدودة، فوفقًا لبيانات بنك المغرب، فإن حوالي 44% فقط من المغاربة يتوفرون على حساب بنكي، ما يعني أن نصف القناصة تقريبًا قد يجدون أنفسهم خارج اللعبة، والأدهى أن بعض الوكالات المصرفية لم تتردد في فرض اقتطاعات إضافية تراوحت بين 20 و50 درهمًا، لتتحول “الرسوم القانونية” إلى مناسبة مفتوحة للاجتهاد في القنص من جيب المواطن .

التنسيقية الوطنية ترفع الصوت

لم تتأخر التنسيقية الوطنية لجمعيات القنص في رفع صوتها، واصفة الخطوة بـ”التعسفية” التي تقحم وزارة الداخلية في متاهة قانونية فارغة.. كما طالبت الوزير عبد الوافي لفتيت بفتح تحقيق عاجل والتنسيق مع الوكالة الوطنية للمياه والغابات، باعتبارها الجهة الوصية على القطاع، كما ذكرت التنسيقية أن القنص نشاط مؤطر بظهائر شريفة وقوانين واضحة، وأن فرض رسوم إضافية أو شروط إدارية خارج النصوص، لن يكون سوى عبثًا يقوّض الثقة في المؤسسات.

القنص بين الترفيه والجبايات المقنّعة

و إذا كان القنص يشكل متنفسًا اجتماعياً واقتصادياً، خاصة في القرى والمناطق الجبلية حيث يساهم في إنعاش السياحة القروية والصيد التقليدي، فإن القرارات المرتجلة تهدد بتحويله إلى مجال طارد للهواة والمهنيين على حد سواء، و بدل أن تُيسر الجامعة على القناصة، باتت تثقل كاهلهم برسوم “مقنّعة” ، لتتحول من إطار تنظيمي إلى ماكينة جباية لا تختلف كثيرًا عن الشركات الخاصة.

سخرية مرة: من يصطاد من؟

في النهاية، يبدو أن القناص لم يعد يطارد الأرانب والطيور فقط، بل أصبح هو نفسه الطريدة.. طريدة في مرمى رسوم مفاجئة، وبطائق بنكية مفروضة، وقرارات بلا سند،أما الدولة، فبدل أن تُحدّث ترسانتها القانونية التي تعود إلى ما قبل الاستقلال، فضّلت أن تختبر “مهاراتها” في اصطياد جيوب مواطنيها، في مشهد لا يخلو من العبثية: صياد يحمل بندقيته، لكنه عاجز عن صيد رخصة قانونية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى