الرئسيةرأي/ كرونيك

رئيس الحكومة.. “حوار غير سياسي”

بقلم الصحافية هدى سحلي

كان يُفترض من الحوار التلفزيوني لرئيس الحكومة مساء أمس، أن يكون لحظة سياسية بارزة، فرصة للمغاربة لمعرفة خطط الحكومة للمرحلة القادمة، خاصة في سياق الدخول السياسي والاجتماعي الذي تُعلن فيه القضايا الكبرى للأجندة السياسية، وقبل سنة انتخابية تُناط فيها بوزن خاص مهام الإشراف السياسي على تنظيم الانتخابات لوزارة الداخلية، عوض رئاسة الحكومة كما في الحكومتين السابقتين.

خروج سياسي عابر بارد بلا أثر يذكر

لكن ما شهده المشاهد لم يكن سوى خروج سياسي عابر، بارد، بلا أثر يذكر، وكأنه مجرد واجب شكلي لا يضيف شيئًا للنقاش العمومي. فالقيمة الحقيقية للحوار لم تُحدّد فقط برتابة الخطاب أو فقر الأفكار أو ضعف الكفاءة التواصلية، بل أساسًا في غياب الرهان ذاته: لم يعد المغاربة ينتظرون شيئًا من مثل هذه الخرجات، فكان الحوار بلا أي توقعات أو انتظارات، ولم يخلّف أثرا.

لم يقدم رئيس الحكومة أي جديد، واكتفى بتكرار مفردات مألوفة عن الاستثمار والجودة والفعالية، متجنبًا الجوهر: الغلاء المتصاعد، هشاشة الخدمات العمومية، البطالة، وتراجع الثقة في المؤسسات. بدا وكأنه يقدم تقريرًا تقنيًا، ينقصه الأرقام والبيانات، أكثر من كونه خطابًا سياسيًا يواجه الواقع، وكأن الهدف الحقيقي ليس بسط إنجازاته وحكومته واقناع المواطنين بجدوى السياسات العمومية التي أقرها، بل خلق صورة دعائية لنشاطه السياسي في موسم انتخابي.

حاول أخنوش تبرئة نفسه من إخفاقات الحاضر عبر تحميل “الحكومات السابقة” المسؤولية

السياق الانتخابي هنا مهم جدًا، حاول رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة تبرئة نفسه من إخفاقات الحاضر عبر تحميل “الحكومات السابقة” المسؤولية، وكأنه لم يكن جزءًا منها، بل وأحد مهندسي السياسات الكبرى التي اعترفت مؤسسات الدولة بفشلها، مثل “المخطط الأخضر”.

في الوقت ذاته، حاول تلميع صورته بخصوص تضارب المصالح، مستفيدًا كرجل أعمال من مشاريع استراتيجية، ك”محطة تحلية المياه”ومحاولًا إقناع المواطنين بأنها صفقة قانونية، بينما يكرر إلقاء اللوم على الحكومة السابقة، التي “كادت أن تحرم مواطني الدار البيضاء والرباط من الماء الصالح للشرب”،

كما صرح في الحوار ودون أي يكلف نفسه عناء تفسير معنى” صفقة قانونية” كما غفل محاوروه عن استفساره عنها ومطالبته بمزيد من التوضيحات لها، وسؤاله عن الاخلاق السياسية ومعنى تخليق الحياة السياسية وحمايتها من تضارب المصالح.

تحويل الحوار إلى مناسبة دعائية لتلميع الصورة بدل تقديم رؤية واضحة

هذه الخطوة لم تكن مجرد تهرب من المساءلة، بل محاولة محسوبة لإعادة ترتيب صورته قبل الانتخابات، وتحويل الحوار إلى مناسبة دعائية لتلميع الصورة بدل تقديم رؤية واضحة للمستقبل. لم يكن الحوار خطابًا لرئيس حكومة يتحمل مسؤوليته أمام المواطنين، بل خطاب مرشح يسعى لإعادة التسويق الإعلامي لنفسه.

في النهاية، ما شاهدناه لم يكن حدثًا سياسيًا يُبنى عليه، بل تمرينًا إعلاميًا بلا روح ولا رهانات، حوارًا بلا جمهور ينتظره، وخطابًا بلا أفق يفتحه.

كان مجرد خروج سياسي محض، يترك النقاش العمومي بلا أثر، ويكرّر نفس أسلوب التبرير، ونفس الانفصال عن الواقع.

ملاحظة لها علاقة: من الطبيعي، وفي إطار قراءة موضوعية، ألا يُنتظر من حوار رئيس الحكومة أن يقدم جديدًا نوعيًا أو أن يحدد ملامح الأجندة السياسية المقبلة، ما دام الملك محمد السادس، بصفته رئيس الدولة، قد رسم في خطاب العرش الخطوط العريضة للحصيلة والآفاق، محددًا بذلك الإطار العام الذي تندرج داخله السياسات العمومية والتوجهات الكبرى للدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى