الرئسيةذاكرة

الآثار البرتغالية بأنفا.. هل دمرت أم لا وجود لها أصلا؟

بقلم: علال بنور

شكل البرتغال قوة عسكرية بحرية منذ بداية العصر الحديث مع جارتها اسبانيا، فقادا معا الحركة الاستكشافية لسواحل افريقيا وامريكا وجنوب آسيا، فكان لهم السبق في قيادة الحركة الامبريالية الأولى قبل باقي دول أوربا.

البرتغال كانت له السطوة على العديد من المدن الساحلية

احتل البرتغال، المدن الساحلية المغربية الأطلسية في سنوات متقاربة ومدد مختلفة، كانت لها السطوة الأولى على تلك المدن، بدءا من الجديدة سنة 1502م سيتم اخلائها 1769 م دام حكمها 267 سنة، فاحتلال آسفي 1508 م إلى حدود 1541م دام حكمها 22 سنة، فجاء احتلال أزمور 1513 م إلى اخلائها في نفس سنة اخلاء آسفي سنة 1541 دام حكمها 27 سنة.

احتل البرتغال مدينة أنفا سنة 1515 م فتم اخلائها سنة 1535م، دامت سيطرتهم عليها 22 سنة. يبدو أن القاسم المشترك للبرتغال في حكم هذه المدن، هو تقارب سنوات الاحتلال خلال القرن 16 م، واستغلال خيراتها الفلاحية، وعند خروجهم من هذه المدن، عرضوا معالمها المعمارية للهدم، باستثناء بعض معالم الاحتلال، الممثلة في الحصون والثكنات العسكرية والسجون والأبراج والكنائس، وبعض المنشآت الاجتماعية التي كانت تخص المحتل البرتغالي.

مدينة أنفا ترك فيها المحتل البرتغالي القليل من المعالم الأثرية

يتحدث الاخباريون وبعض الكتابات الدبلوماسية والرحالة والمؤرخون الأجانب، على أن مدينة أنفا، ترك فيها المحتل البرتغالي القليل من المعالم الأثرية، التي يحصرونها في السجن والحصن / ثكنة عسكرية، عكس ما تركوه من آثار العمارة العسكرية والدينية والأمنية والاجتماعية في أزمور والجديدة وآسفي والصويرة، التي طال بعض جوانبها الهدم.

ومن هنا، لابد من الإشارة في القول، ورد عند الرحالة مرمول كربخال أن البرتغال بنوا حصنان لحماية مصالحهم البحرية من القراصنة، فبعد قصفهم لأنفا سنة 1468 والذي انتهى باحتلالها، بنوا الحصن الأول لحماية مصالحهم البحرية، وبعد عودتهم للمرة الثانية سنة 1515 للاحتلال، شرعوا في بناء الحصن الثاني بعدما هدم الأول، غير أن مقاومة الشاوية تصدت لهم فعرقلوا مشروع البناء. تبقى هذه الفرضية في حاجة إلى التمحيص.

السجن البرتغالي في مدينة انفا

ركز الاخباريون والرحالة والمؤرخون فيما تركه البرتغال من معمار في أنفا حول ما سمي بالسجن البرتغالي، ما عداه لم نجد إلا إشارة واحدة حول الحصن/ الثكنة العسكرية، بدون الحديث عن الأنشطة التجارية والدور السكنية للبرتغال أو مقبرتهم أو المقر الدبلوماسي بأنفا. هل معنى ذلك، أن أنفا، كانت فقط قلعة عسكرية برتغالية لتأديب القراصنة ومحطة استراحة للمرور إلى باقي المدن الساحلية؟

تحدثت الكتابات عن السجن البرتغالي، الذي كانت بنايته بالقرب من مزار سيدي بليوط على الجانب الأيمن من مصب نهر بوسكورة – الذي هو الآخر يحتاج إلى دراسة جيومرفولوجية لتحديد عمق الواد وعرضه وقوة صبيبه – الذي تم ردمه مع ردم السجن البرتغالي، لتشييد طريق يربط بين ساحة سوق السلع المعد للتصدير – التي ستعرف في عهد الجنرال ليوطي بساحة فرنسا – والمرسى التي ستتحول إلى مشروع ميناء.

كان يتوافر السجن على أقواس، نقلت في عهد بداية الاستعمار العسكري للدار البيضاء مع الجنرال ليوطي إلى الحديقة المسماة باسمه، والمعروفة اليوم بحديقة الجامعة العربية.

أول ما يهتم به عند الاحتلال هو تشييد ثكنة عسكرية لإيواء الجنود

تطرح عدة أسئلة تحتمل الخطأ والصواب، حول الحصن العسكري، الذي بناها البرتغال مع احتلالهم لأنفا سنة 1515 م ومن المنطق جدا، أن المحتل، أول ما يهتم به عند الاحتلال هو تشييد ثكنة عسكرية لإيواء الجنود.

أما السجن البرتغالي الذي يتفق حوله الاخباريون، فإنه بني سنة 1750 م، يبقى تاريخ بنائه محل شك وسؤال. علما أن المحتل البرتغالي أخلى المدينة سنة 1535م.

إذن، كيف يمكن الجزم، أن السجن بني بعد مغادرة البرتغال مدينة أنفا بعد مضي 215 سنة؟ لا ندري أين يكمن الخطأ؟ هل سنة البناء تقديرات أخطأ فيها الاخباريون أم أن البرتغال رحلوا عن أنفا المدن المينائية المغربية التي احتلوها سابقا، ثم عادوا لبناء سجن بمدينة أنفا؟ حقيقة، أن البرتغال لم يغادر المغرب بل بقي موجودا بباقي المدن السالفة الذكر.

لم يتم الحديث عن أن الزلزال هدم السجن البرتغالي

يحدثنا الاخباريون، أن أنفا تعرضت لزلزال سنة 1755 الذي عرف بزلزال لشبونة، والذي دمر المباني السكنية بما فيها الحصن، ولم يتم الحديث عن أن الزلزال هدم السجن البرتغالي.

ومن هنا نطرح السؤال، ألم يتعرض السجن البرتغالي للهدم؟ وهو الذي بني قبل الزلزال ب 5 سنوات، خاصة أن الاخباريون يؤكدون، أن أنفا تعرضت للهدم بالكامل، لم يبق منها سوى ضريح علال القيرواني ودا ر للابيضا، كما انهم لم يتحدثوا عن وضعية مزار سيدي بليط، هل تعرض للهدم الزلزالي أم لا؟ الذي يعد من أقدم مزارات أنفا. وهكذا يشير الاخباريون، أن أنفا بقيت خرابا لمدة 15 سنة. أين الخطأ من الصواب؟

لم يترك لنا الاخباريون معلومات أثرية عن مدينة أنفا، باستثناء السجن والحصن، كما اكتفوا بالقول المقتضب، أن البرتغال، تخلوا عن أنفا بسبب مقاومة قبائل الشاوية بدون ذكر أسماء وأمكنة المعارك التي اخذها المقاومون في وجه المحتل.

كما نطرح سؤالا آخر، ألم يترك البرتغال مقابر تخصهم بمدينة أنفا؟ خاصة أن الاحتلال دام 20 سنة من 1515 إلى 1535، أم أن قبورهم كانت ضمن مقبرة كل المسيحيين، التي جمعت بين المدنيين والعسكريين، والتي كانت توجد خلف بناية Les Galeries la Fayette المعروفة عند سكان الدار البيضاء ب (بني مروك)، نقلت المقبرة سنة 1920 إلى مقبرة العنق التي لا زالت موجودة إلى اليوم.

ومن هنا يطرح سؤال تاريخ المقابر المسيحية المدنية والعسكرية بمدينة الدار البيضاء. هذا الموضوع سكت عنه الاخباريون المغاربة، لذلك نجده اليوم يحتاج إلى دراسة تاريخية.

البرتغال قد عمروا أنفا لمدة 20 سنة

فإذا كان البرتغال قد عمروا أنفا لمدة 20 سنة. هل كان وجودهم بأنفا فقط عسكريا أم كانت لهم جالية مدنية، لها نشاط تجاري مع التجار المغاربة، خاصة على مستوى الإنتاج الفلاحي؟ لم يفدنا الاخباريون في هذا الموضوع، عن طرق ونوعية المعاملات التجارية بأنفا لا سيما أن البرتغال والاسبان كانتا تقودان الحركة الميركانتيلية.

عموما، هناك أسئلة تصب حول علاقة البرتغال بمدينة أنفا، وهي كثيرة، على المستوى العسكري والديبلوماسي والاجتماعي والتجاري، التي لم نجد لها أجوبة كافية عند الاخباريين.

اقرأ أيضا…

كازابلانكا عبر التاريخ.. النشأة والتأسيس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى