عن أي فيلم نكتب؟ الجواب اليقيني سيكون بمثابة نوع من “الدوكم” – المعتقد.
هناك من يقول بانه يفضل الكتابة حول الأفلام “الجيدة”، وهناك من يمشي في اتجاه الرغبة الذاتية ويدافع – يكتب فقط عن الأفلام التي تعجبه.
أحيانا أقول من جهتي في نوع من القدرية: الفيلم يكتب نقده.
ماهي أسباب النزول؟
كتب الصديق سعيد المزواري نصا جميلا حول فيلم ينتمي “لسينما الجمهور”. أثارني ذلك وعبرت عن اتفاقي معه (وهي ليست المرة الأولى التي يهتم فيها بهذه النوعية من الأفلام) وفي تعليقي قلت بأن هذه الكتابة يمكن أن تنتمي إلى “النقد الديموقراطي” على عكس “النقد الأرستوقراطي”. الأول يهتم بكل الأفلام والثاني يتعامل معها بانتقائية.
وقناعتي الأصلية بسيطة: جميع الأفلام تُحسب أو لا فيلم يُحسب! أي من المشروع أن نهتم بجميع أنواع الأفلام…وفي ذلك احترام للمرسل وللمتلقي.
الناقد ليس اذكى من الجمهور.
والحاصل أن التساؤل – عن أي فيلم سأكتب- في حد ذاته يحمل في طيه إشارة معبرة: في وضع سينمائي مُكتمل البنيات ومنسجم العناصر (صناعة- تجارة – فن) هذا النوع من السؤال لا محل له من الإعراب. لأن النقد جزء من منظومة لخصها الراحل كريستيان مِس فيي الآلات الثلاث: آلة تنتج + آلة تستهلك وآلة تنتج خطابا مرافقا. إنه نقد مهني يحضر كمكون لصناعة سينمائية.
عن أي فيلم سأكتب …قد تكون فعلا إحالة إلى ممارسة هاوية. ولكنها لا تخلو من مشروعية في سياق الممارسة النقدية العامة.
أن تكتب عن كل فيلم أم تكتب عن الفيلم الذي يستحق؟
هل يمكن انتاج نص جميل عن فيلم “رديء”؟ نعم. نص نقدي صارم مكتوب بشكل جيد أفيد للفيلم من نص نقدي مدحي ضعيف الكتابة.
كتب جيل دولوز في مقدمة كتابه “الصورة- الحركة” بأن هناك سينمائيين يمكن مقارنتهم بالموسيقيين والرسامين بل يمكن اعتبارهم مفكرين، يفكرون بالصورة غير انه يضيف ” أن المقدار الهائل من الضعف ومن عدم الكفاءة في الإنتاج السينمائي ليس اعتراضا على ذلك، فهو هنا ليس أسوأ منه في أي مكان آخر…” يهمني هذا التحديد الأخير، أي أن الفنون “الراقية” الأخرى ذات المشروعية الثقافية العريقة تعرف أيضا استثناءات وأن التفاهة ليست “اختصاصا سينمائيا.”
كيف ننقد الفيلم يتضمن أيضا السؤال كيف نقاربه، كي ننقده.
أُذَكر بان النص الفيلمي عمل مركب: كل ما هو فيلمي ليس سينمائي. الفيلم يستدعي عناصر من فنون سبقته (الحوار، الموسيقى، الديكور..) ويشتغل بالأساس على عناصره المميزة: كل ما يشكل خصوصية اللغة السينمائية، أي الحركة، التوضيب…
ودور الناقد هو ان ينتصر للسينمائي داخل الفيلمي.
هذا الاجتهاد يستدعي اخذ بعين الاعتبار شرط التلقي. الثقافة السائدة لم تصنع فقط انتاجا فنيا سائدا بل ساهمت في خلق “متلقي سائد” (المشاهد المثالي) طموحه الفني لا يتجاوز سقف التعابير الفنية التي فرضت هيمنتها عليه. هذه المنظومة هي التي فرضت تراتبية في تلقي الأعمال السينمائية والفنية عامة عن طريق نمط الإنتاج والتوزيع والتلقي: بنية القاعات (قاعات فخمة/ قاعات شعبية..)، حضور/غياب المتاحف والمكتبات…مما فرض ثنائية مصطنعة من مثيلة “سينما الجمهور” ضد “سينما المهرجانات”.
نظام التلقي المهيمن فرض قراءة مهيمنة وأنتج متلقي مهيمن الذي يحتفي به شباك التذاكر.
والحاصل أن هذا المتلقي هو منتوج. فهو من جهة مشروط بجمالية الموروث (تربية، وتذوقا وتقويما) ومشروط بجمالية الثقافة البصرية السائدة التي بدأت في التوسع مع التلفزيون وتسارع ضخها مع يوتيوب.
وبالتالي عندما يأتي إلى الفيلم ينتظر منه تزكية هذا التراكم: الشخوص، اللغة، الموسيقى، الإيقاع. سيسعى إلى نوع من الطمأنينة الجمالية المريحة وينفي على نفسه أي استعداد للدهشة وللمغامرة التخييلية الجمالية. بل على العكس عندما يحصل هناك “عطب” في خطاطة التواصل السائدة فالمسؤول هو الفيلم. فيتم وصفه بانه “غامض”، “ممفهومش”، “معقد”.
يكتب أدونيس في هذا الصدد “فموضوع النقد دائما، مدحا أو ذما، إنما هو النص وكاتبه، والبريء إنما هو، دائما، القارئ”