الرئسيةسياسةميديا وإعلام

زلزال داخل “تمازيغيت”: حملة اعتقالات بشبهات اختلاس وتلاعب في الصفقات

شهد المشهد الإعلامي المغربي زلزالاً حقيقياً بعد أن أحال الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط عدداً من مسؤولي القناة الأمازيغية “تمازيغيت” على قاضي التحقيق، في إطار تحقيقات واسعة تتعلق بشبهات ثقيلة تمس المال العام وسير الإدارة العمومية داخل القناة، في واحدة من أكبر القضايا التي تهز القطاع السمعي البصري العمومي في السنوات الأخيرة.

شبهات مالية وإدارية ثقيلة

تعود تفاصيل القضية، وفق مصادر قضائية متطابقة، إلى تقارير أولية رفعتها مفتشية وزارة المالية والمجلس الأعلى للحسابات،و التي رصدت خروقات متعددة في تدبير ميزانية القناة التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، خصوصاً في ما يتعلق بطريقة “إبرام الصفقات العمومية” و”انتقاء شركات الإنتاج الخارجي” ، و “توزيع ميزانية البرامج” .

وقد تم رصد مؤشرات قوية على وجود تلاعبات في الفواتير، وتكرار التعامل مع شركات إنتاج محددة دون منافسة شفافة، إلى جانب شبهات تضخيم مبالغ بعض العقود و تكرار إنتاج برامج بنفس المحتوى أو الطابع الفني تحت أسماء مختلفة لتبرير نفقات جديدة.

أسماء بارزة في قفص الاتهام

من بين الأسماء التي وردت في الملف، حسب المعطيات المتوفرة، محمد مماد المدير السابق لقناة “تمازيغيت” ، إلى جانب مسؤولين إداريين وتقنيين حاليين وسابقين داخل القناة، فضلاً عن ممثلي شركات إنتاج تعاملت مع القناة في إنتاج برامج وثائقية وترفيهية خلال السنوات الماضية.

وتشير المصادر إلى أن التحقيقات شملت أيضاً بعض الوسطاء والممونين الذين يُشتبه في تورطهم في عمليات تزوير فواتير وتبادل مصالح مع مسؤولين إداريين مقابل تسهيلات في الحصول على صفقات الإنتاج.

تحقيق قضائي مفتوح ومتابعات محتملة

في هذا السياق ،أحال الوكيل العام للملك الملف على “قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال” بمحكمة الاستئناف بالرباط، بعد أن تبيّن من الأبحاث التمهيدية التي باشرها المكتب الوطني لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وجود معطيات أولية تثبت قرائن اختلاس وتبديد أموال عمومية وسوء تدبير.

ومن المنتظر أن يشمل التحقيق مواجهة المتهمين بالوثائق المحاسباتية والمراسلات الداخلية، واستنطاقهم حول طبيعة علاقاتهم ببعض الشركات المنتجة، كما يُنتظر أن يتم تتبع مسار الأموال والمبالغ المحولة في إطار الصفقات المبرمة.

قضية تثير جدلاً في الوسط الإعلامي

أحدثت القضية صدمة قوية داخل المؤسسة الإعلامية العمومية، التي تضم عدداً من القنوات الوطنية، من بينها “الأولى” ، “الرياضية” ، “الثقافية” ، و “تمازيغيت”.. فقد اعتبر عدد من الإعلاميين أن ما يجري يمثل لحظة محاسبة ضرورية في قطاع طالته لسنوات اتهامات بسوء الحكامة وضعف الشفافية في تدبير ميزانيات الإنتاج.

من جانب آخر، عبّر بعض المهنيين عن تخوفهم من أن تؤثر هذه التطورات على صورة القناة الأمازيغية، التي كانت تُعتبر واجهة للهوية الثقافية الأمازيغية بالمغرب، مطالبين بـ“فصل المسؤوليات بين الأفراد والمؤسسة والعمل على إعادة بناء الثقة مع المشاهدين.

مطالب بالشفافية والمحاسبة

من جهتها دعت فعاليات حقوقية وإعلامية إلى تكثيف المراقبة المالية على مؤسسات الإعلام العمومي، و مراجعة آليات إبرام الصفقات بما يضمن مبدأ المساواة والتنافسية، مع تحميل المسؤولية لكل من ثبت تورطه في استغلال المال العام أو التلاعب في التدبير الإداري.

وأكدت نفس الجهات أن هذه القضية يجب أن تكون بداية لإصلاح شامل داخل القطاع السمعي البصري العمومي، عبر فرض معايير صارمة للشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصاً في ظل الاعتمادات المالية الكبيرة التي تُرصد سنوياً لإنتاج المحتوى الإعلامي العمومي.

ختاماً، تبقى “تمازيغيت” أمام مفترق طرق : فإما أن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الثقة وإصلاح منظومة التسيير المالي والإداري، أو أن تكرّس نموذجاً آخر من الفشل في مؤسسات الإعلام الوطني، في وقت يطالب فيه المواطن المغربي بإعلام مهني نزيه يعكس قيم الشفافية والمصلحة العامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى