
كشف الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، في تصريح حديث، عن معطيات تتعلق بتطور أسعار المحروقات في النصف الثاني من شهر أكتوبر الجاري، مبرزًا الفارق الكبير بين السعر الحقيقي المستند إلى السوق الدولية وطريقة الاحتساب قبل تحرير الأسعار، وبين السعر المطبق فعليًا في محطات الوقود بالمغرب.
اليماني استند في تحليله إلى معايير موضوعية ومعادلات واضحة كانت معمولًا بها قبل قرار الحكومة بتحرير الأسعار سنة 2015، ليقدم صورة شاملة عن واقع السوق الوطنية وما يعانيه من غياب المنافسة الحقيقية واستمرار استفادة الشركات من هوامش ربح مرتفعة.
تكلفة الميناء والسعر المفترض قبل الضرائب والأرباح
حسب اليماني، رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول،، فإن معطيات السوق الدولية خلال النصف الثاني من أكتوبر الجاري تشير إلى أن ثمن الغازوال بوصوله إلى الميناء يبلغ 5.2 درهم للتر، فيما يبلغ ثمن البنزين 4.4 درهم للتر.
ويوضح المسؤول النقابي أن هذه الأرقام تمثل السعر الخام قبل إضافة أي مصاريف داخلية، وتستند إلى طريقة الاحتساب القديمة التي كانت سارية المفعول قبل تحرير الأسعار في عهد حكومة عبد الإله بنكيران سنة 2015.
من السعر الخام إلى السعر النهائي: أين يكمن الفرق؟
عند احتساب المصاريف الإضافية، من نقل وتخزين وضرائب وهوامش ربح كانت محددة مسبقًا للفاعلين، يصل السعر المفترض — دون دعم صندوق المقاصة — إلى 9.44 دراهم للغازوال و10.32 دراهم للبنزين.
غير أن الأسعار المطبقة اليوم في السوق الوطنية — وفق ما يؤكده اليماني — لا تقل عن 10.6 دراهم للغازوال و12.6 درهم للبنزين، أي بزيادة تبلغ 1.2 درهم في الغازوال و2.3 دراهم في البنزين مقارنة بالسعر المفترض.
هذه الفوارق، بحسب اليماني، لا يمكن تفسيرها إلا بوجود اختلالات بنيوية في آليات التسعير واحتكار فعلي للسوق من قبل فاعلين محددين.
أرباح استثنائية تكشف حجم الريع
يرى اليماني أن ما يؤكد استفادة الشركات من “هدية” قرار التحرير هو الارتفاع المذهل في أرباحها خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح أن بعض الشركات وزعت أرباحًا عادية وأخرى استثنائية خلال السنة الجارية، في وقت كان من المنتظر — حسب منطق السوق أن تتراجع الأرباح بفعل تقلبات الأسعار الدولية والتضخم المحلي.
ويضيف أن هذا الواقع يناقض تمامًا التحليلات الرسمية الواردة في تقارير مجلس المنافسة، الذي فرض غرامة “تساهلية تصالحية” على بعض الشركات، دون أن ينجح في معالجة أصل الإشكال المتعلق بالتفاهم حول الأسعار.
سؤال المنافسة: نزاع مفتوح ومشاريع مؤجلة
في سياق متصل، تساءل اليماني عن قدرة مجلس المنافسة على حل النزاع القائم بين أصحاب محطات الوقود وشركات التوزيع حول ما وصفه بـ”عقود الإذعان” التي تربط الطرفين، والتي تحدّ من حرية المحطات في اختيار الموزعين.
كما دعا إلى مراجعة النص القانوني المنظم للقطاع بما يسمح بإنشاء محطات “حرة بدون علامة تجارية”، تمكن أصحابها من التزود من أي موزع يقدم سعرًا تنافسيًا، معتبرًا أن هذه الخطوة يمكن أن تكون المدخل الحقيقي لتكسير الأسعار وإرساء مبدأ المنافسة العادلة، كما هو معمول به في بعض الأسواق الحرة مثل “سوق تكرابت”.
ضمان التزويد دون ابتزاز
في ختام تصريحه، شدد اليماني على ضرورة الحرص على ضمان التزويد المنتظم للبلاد بحاجياتها الطاقية، معتبرًا أن الأمن الطاقي مسألة سيادية لا ينبغي أن تُستغل لتحقيق أرباح مفرطة أو للإثراء على حساب المستهلكين.
وأكد أن حاجة المغرب إلى الاستقرار الطاقي يجب ألا تتحول إلى ذريعة للابتزاز الاقتصادي أو إلى وسيلة للاغتناء غير المشروع، في وقت تعاني فيه القدرة الشرائية للمغاربة من ضغوط متزايدة، كما تتأثر “القوة التنافسية للمقاولات المغربية” بارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب أسعار المحروقات المرتفعة.
نحو إصلاح سوق المحروقات وإعادة التوازن
من خلال تصريحاته، يقدم الحسين اليماني قراءة دقيقة لمعادلة أسعار المحروقات في المغرب، تكشف عن فجوة واضحة بين الأسعار الواقعية والأسعار العادلة، وتعيد إلى الواجهة قضية تحرير القطاع ونتائجه على المستهلكين والاقتصاد الوطني.
كما يطرح تساؤلات جوهرية حول غياب الإرادة السياسية لتصحيح الوضع القانوني والتنظيمي، وضرورة تحقيق الشفافية في تحديد الأسعار وفتح السوق أمام منافسة حقيقية تعيد التوازن بين مصالح الدولة والمستهلك والمستثمر.
بهذا، يضع اليماني النقاش في سياقه الوطني والاقتصادي الأوسع، مذكرًا بأن تحرير السوق دون ضمان شروط المنافسة العادلة يظل شكلاً آخر من أشكال الاحتكار المقنن.




