
تحرير: جيهان مشكور
كشف التقرير الجديد الصادر عن مبادرة Imal للمناخ والتنمية عن ما يعرفه الجميع ويتجاهله صُنَّاع القرار منذ سنوات: يستطيع المغرب أن يُنير نصف مدنه تقريباً، لا عبر مشاريع عملاقة أو قروض بملايين الدولارات، بل ببساطة عبر استغلال أسطح المباني التي تتلقى يوميًا كميات من أشعة الشمس كفيلة بتمويل مستقبلٍ طاقيٍّ مستدام..
التقرير يشير أن الطاقة الشمسية لم تعد رفاهية بيئية، بل صارت ضرورة اقتصادية واجتماعية أمام تضخم فواتير الكهرباء، وتزايد الطلب بفعل النمو السكاني والتوسع الصناعي والعمراني، فضلاً عن التحضير لتظاهرات كبرى في أفق 2030، التي يبدو أن “فاتورتها الطاقية” ستكون بدورها مشتعلة..
فاتورة طاقية تُنهك الاقتصاد
بلغت الفاتورة الطاقية الوطنية في سنة 2023 وحدها حوالي “140 مليار درهم” ، أي ما يعادل “أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي”، وهو نزيف اقتصادي حقيقي لدولة تستورد أغلب حاجياتها من الطاقة.. و رقم ثقيل كفيل بإثارة نقاش وطني حول جدوى استمرار المغرب في الاعتماد على واردات الطاقة الأحفورية، في وقت تشرق فيه الشمس على البلاد لأكثر من “300 يوم في السنة” دون أن تجد من يستثمر دفئها في تقليص العجز الطاقي.
الأدهى من ذاك ان أسعار الكيلواط في السوق المغربي لا تزال مرتفعة مقارنة بدول الجوار، ما يجعل الأسر ذات الدخل المحدود أولى ضحايا هذا الاختلال البنيوي ، وبينما تتحدث الحكومة عن “الانتقال الطاقي” و”النمو الأخضر”، تظل الفواتير الشهرية تذكر المواطن بأن الخطاب لا يُضيء المنازل.
أسطح المباني… حقول ذهب مهجورة
يرى التقرير أن الحل ليس معقدًا ولا يتطلب اكتشافات علمية، و لا يحتاج إلى معجزة ولا إلى مشاريع بمليارات الدراهم، بل إرادة سياسية وإصلاحات إدارية جريئة.. فأسطح المباني السكنية والإدارية والتجارية تمثل فرصة ضائعة لتوليد الكهرباء النظيفة بطريقة لامركزية، يمكنها أن تُحدث ثورة اقتصادية حقيقية.
فلو تم تزويد 10% فقط من المباني في المدن الكبرى بأنظمة شمسية، لتمكن المغرب من إنتاج ما يعادل 20 إلى 25% من حاجياته الكهربائية، مع تخفيض الضغط على الشبكة الوطنية وتوفير مليارات الدراهم سنويًا.
و يضيف التقرير أن هذا التوجه يمكن أن يُحدث نقلة اجتماعية واقتصادية هائلة، من خلال:
* خلق أكثر من 60 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر في مجالات التركيب والصيانة والتصميم الصناعي.
* تحقيق وفر مالي يتجاوز 30 مليار درهم سنويًا في واردات الوقود الأحفوري.
* تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تناهز 20% بحلول 2030، وهو هدف يتماشى مع التزامات المغرب الدولية في إطار اتفاق باريس للمناخ.
تكنولوجيا جاهزة… وبيروقراطية متأخرة
العائق الأكبر اليوم لم يعد تقنيًا ولا ماليًا، فأسعار الألواح الشمسية انخفضت بأكثر من 80% خلال العقد الأخير، وأنظمة التخزين أصبحت أكثر كفاءة وأقل كلفة.. المشكلة الحقيقية، كما يشير التقرير، تكمن في “البيروقراطية والعقليات الإدارية المتكلسة” التي ما تزال تتعامل مع مشاريع الطاقة المتجددة بعين الشك والتوجس، بدل أن تعتبرها رافعة للتنمية.
فبين التعقيدات القانونية، والضرائب المزدوجة، وصعوبة الولوج إلى التمويل، يجد المواطن أو المقاول الراغب في الاستثمار في الطاقة الشمسية نفسه عالقًا في متاهة من الإجراءات التي لا تشجع على المبادرة، بل تدفع إلى الاستسلام.
طاقة نظيفة… أو عتمة اقتصادية
التحول نحو الطاقة الشمسية ليس مجرد خيار بيئي، بل قضية سيادية. ففي عالم تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية وأسعار الطاقة، يصبح الاعتماد على الذات شرطًا للبقاء الاقتصادي والسياسي، و مع استعداد المغرب لاحتضان “أحداث كبرى بحلول 2030” و على رأسها كأس العالم لا يمكنه أن يواجه تحديات التنمية المتسارعة بنموذج طاقي يعتمد على الخارج.
نحو شمس المواطنة الطاقية
في النهاية، لا يحتاج المغرب إلى اكتشاف مناجم جديدة، بل إلى رؤية جديدة. فكل سطح بيت غير مستغل هو مشروع محطة كهرباء صغيرة مهدورة، وكل تأخير في استغلالها هو استمرار لهدر مليارات الدراهم. وبين بيروقراطية تُطفئ الحماس وشمس تشرق كل يوم بلا مقابل، يبدو أن الطاقة الحقيقية التي نفتقدها ليست شمسية… بل سياسية.





