
سيون أسيدون…حين يتحوّل الغياب إلى مرآة للضمير
بقلم: أحمد دابا
رحل سيون أسيدون، ورحيله ليس حدثًا عابرًا. إنه لحظة تختبر ذاكرة العدالة وضمير الوطن.
منذ ثلاثة أشهر، ظلّ أسيدون معلقًا بين الحياة والموت، في غيبوبة طويلة قاوم فيها بصمتٍ كما قاوم طيلة حياته بصوته، كأنّه يخوض معركته الأخيرة ضد العدم.
وُجد في منزله جالسًا على كرسي، فاقد الوعي لكنه يتنفس، وكأنّه يتمسك بخيطٍ أخير من الحياة لعلّ الحقيقة تجد طريقها. نُقل على وجه السرعة إلى المستشفى، حيث بدأ صراعٌ يومي بين الأمل واليأس، وبين نداء القلب وصمت الأجهزة. وخلال تلك الأشهر الثلاثة، لم يتوقف أصدقاؤه ورفاقه عن متابعة حالته، كما لم يتوقفوا عن طرح السؤال المؤلم: ماذا حدث حقًا؟ هل كان الأمر حادثًا عابرًا؟ أم أن خلف الغيبوبة ما يستحق التحقيق والبيان؟
لقد ظلّ هؤلاء، كما في حياته، أوفياء لفكرته المركزية: أن الكرامة لا تُجزّأ، وأن الحقيقة لا تُؤجّل. طالبوا بتحقيقٍ مدعومٍ بتقارير الطب الشرعي، ليس بدافع الشك وحده، بل لأن الشفافية هي أبسط أشكال العدالة في بلدٍ نناضل من أجل أن ينتصر أن الإنسان هو الغاية لا الوسيلة.
سيون أسيدون لم يكن ناشطًا عاديًا. كان وجدانًا متحركًا، ضميرًا جمع بين المثقف والمتمرّد، بين الأخلاق والسياسة. منذ شبابه، حين ناصر الفيتناميين وشارك في حراك شباب مايو 1968 المتمرد في أوربا، وانخرط شابًا في الحلقات الأولى التي ستؤدي إلى ميلاد منظمة “23 مارس”، حيث كان المبدع والفاعل والصانع لكل الوسائل التي عملت على التبشير بعالمٍ ووطنٍ آخر؛ عالمٍ حرٍّ وعادل، لا يُستغلّ فيه الإنسان بأخيه الإنسان، عالمٍ ينتقل من ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية. تلك اليوتوبيا التي جعلت منه، ومعه أخريات وآخرين، نسمةَ أملٍ في وجه عالمٍ ظالمٍ ومتواطئٍ مع قتل الأطفال والشيوخ والعجزة.
منذ ذلك الحين، ظل يؤمن أن القضايا العادلة تتقاطع رغم الحدود: من تازة إلى غزة، من الشفافية في الإدارة إلى مقاومة الاحتلال، من الدفاع عن النزاهة إلى رفض التطبيع.
في كل ذلك، كان يرى أن العدالة إمّا أن تكون شاملة، أو لا تكون.
اليوم، بموته، لا نرثي رجلًا بقدر ما نواجه امتحانًا أخلاقيًا جديدًا: هل سنواصل المطالبة بالحقيقة كما كان يفعل؟ هل سنمتلك الجرأة على ربط العدالة بالمحاسبة؟
سيون أسيدون كان يزعج الصمت، ويحرّض على السؤال. ورحيله لا يجب أن يُريح أحدًا، بل أن يوقظ فينا من جديد شعور المسؤولية.
نم مطمئنًا يا سيون، فالفكرة التي حملتها لم تمت.
رحلت جسدًا، لكنك تركت لنا درسًا أبديًا:
أن الكرامة لا تُفاوض، والعدالة لا تموت.
من هو سيون أسيدون؟
سيون أسيدون (1948 – 2025)، مناضل ومفكر مغربي، وُلد بالدار البيضاء وكرّس حياته للنضال من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
من أبرز الوجوه اليسارية في سبعينيات القرن الماضي، شارك في الحركات الطلابية والتقدمية، وكان من أوائل من أسّسوا منظمة “23 مارس”.
بعد خروجه من المعتقل السياسي، أسّس منظمة ترانسبارانسي المغرب، وكان من الداعمين البارزين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
ظلّ حتى أيامه الأخيرة صوتًا حرًّا في مواجهة الفساد والتطبيع، ومدافعًا شرسًا عن القضية الفلسطينية وعن القيم الكونية للكرامة الإنسانية.





