
جيل Z المغربي.. بين الحراك الرقمي والامتناع السياسي
بقلم: بثينة المكودي
جيل وُلد في العاصفة
إنه الجيل الذي وُلد مع الإنترنت، ونشأ في زمن الشاشات المفتوحة والوعود المغلقة.
جيل Z في المغرب المولودون تقريبًا بين عامي 1997 و 2012 يعيش حالة مفارقة وعي سياسي مرتفع، يقابله عزوف غير مسبوق عن المشاركة في القنوات الرسمية.
فبينما يشتعل النقاش على المنصات الرقمية حول قضايا التعليم، الصحة، الفقر، والعدالة الاجتماعية، تظل صناديق الاقتراع والمجالس المحلية شبه فارغة من أصوات هذا الجيل.
من الفايسبوك إلى الشارع ثم إلى الصمت؟
منذ عام 2023 برزت حركة “جيل زد 212” كمؤشر على تحوّلٍ نوعي في العلاقة بين الشباب والسياسة. فهذه الفئة لم تعد تنتظر وساطة الأحزاب أو النقابات لتعبّر عن غضبها.
في سبتمبر 2025 خرج آلاف الشباب في مدن مثل أكادير و فاس و طنجة مطالبين بإصلاحات في التعليم والصحة ومحاربة الفساد، مستخدمين منصات Discord وTikTok وInstagram كغرف تعبئةٍ رقمية، ومنتجين خطابًا حيويًا لا يمر عبر الإعلام التقليدي.
لكن بعد موجة الحراك، خفت الصوت في الشوارع، لا بسبب فقدان الحماس، بل بسبب غياب آليات الاستماع المؤسسي، حسب ما يؤكده الباحث في علم الاجتماع السياسي، يونس العسري، الذي يرى أن “الدولة لم تطور بعد لغة تواصل تتناسب مع هذا الجيل، فالشباب لا يريدون خطابات رسمية، بل إجراءات ملموسة”.
ثقة ضائعة في الوسائط القديمة
تُظهر دراسات المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من 65 في المائة من الشباب المغربي بين 18 و 30 سنة لا يثقون في الأحزاب السياسية.
هذه النسبة تزداد بين سكان المدن، حيث يُنظر إلى العمل الحزبي بوصفه “نخبوياً” و“منفصلاً عن الواقع”.
في المقابل، يجد جيل Z في الفضاء الرقمي مساحة للجدال، والضحك، والنقد اللاذع، وأحيانًا للسخرية السياسية، ما يمنحه شعورًا مؤقتًا بالانتماء والقدرة على التأثير.
تقول الشابة سلمى (23 سنة، من الدار البيضاء):
“كنعرف نكتب تغريدة توصل لألف شخص، ولكن ما كنحسّش أن صوتي مسموع في البرلمان أو الجماعة.”
جيل يبحث عن معنى المشاركة
رغم الصورة السوداوية، يؤكد عدد من الفاعلين الشباب أن جيل Z ليس لا مبالياً، بل يبحث عن أشكال جديدة للمواطنة.
منهم من يطلق مبادرات بيئية، أو حملات تضامن رقمية، أو مشاريع محلية لتعليم البرمجة والتطوع.
تقول الناشطة مونا من أكادير:
“ما بقيناش كنتسناو السياسة تعطينا شي حاجة، كنصاوبوها بيدينا.”
ويرى البعض أن هذه الروح لو تم احتضانها عبر دعم الجمعيات المستقلة، وتمكين مبادرات الشباب من التمويل والمرافقة القانونية، فقد تشكّل نواة لمواطنة جديدة أكثر واقعية واستقلالاً.
بين الأمل واللامبالاة
الرهان اليوم هو في بناء جسر بين الجيل والمؤسسات. ليس عبر الشعارات، بل من خلال تغيير نمط التواصل، وتبسيط المساطر، وإشراك الشباب في القرار المحلي لا كديكور بل كشركاء فعليين.
فجيل Z ليس مشكلة، بل مرآة. وما يعكسه ليس سوى تعب شباب لم يجد بعد مكانه في دولة يقول إنها وطنه، لكنه لا يسمع فيها صوته.





