الرئسيةسياسة

اجتماع مستشارو الملك بالأحزاب..الحكم الذاتي يحتاج شركاء لا صدى سياسي

بتوجيهات ملكية مباشرة، اجتمع مستشارو الملك بزعماء الأحزاب في لقاء غير مسبوق حول مبادرة الحكم الذاتي. خطوة أعادت الأحزاب إلى قلب النقاش الوطني بعد سنوات من الغياب، لكنها طرحت سؤالًا جوهريًا: هل تملك فعلاً هذه الأحزاب الجرأة لتفكر خارج نصّ الولاء، أم ستكتفي كالعادة بترديد مقولة "مشروع الملك هو مشروعنا"؟

انعقد أمس الإثنين 10 نوفمبر 2025 لقاء رفيع المستوى بين مستشاري الملك محمد السادس، وزعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، بحضور وزيري الداخلية والخارجية.

تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي

وجاء هذااللقاء، وفق بلاغ في الموضوع بتوجيهات ملكية، خُصص لمناقشة السبل الكفيلة بـ“تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي” التي طرحها المغرب سنة 2007 كحل نهائي لقضية الصحراء.

ويعتبر هذا الاجتماع من حيث المبدأ لحظة سياسية فارقة، إذ ينقل ملف الحكم الذاتي من طابعه الدبلوماسي الرسمي إلى مسار تشاركي داخلي، تشترك فيه القوى الحزبية في صياغة التفاصيل المؤسسية والقانونية للمقترح.

إذ بعد سنوات من الدفاع الخارجي عن المبادرة في أروقة الأمم المتحدة، قرر القصر أن يفتح نقاشًا وطنيًا واسعًا حول شكل المؤسسات الجهوية، توزيع الصلاحيات، وطبيعة العلاقة بين الدولة المركزية والجهة.

دعوة  إلى الأحزاب لتقديم مذكرات مكتوبة خلال أجل لا يتجاوز عشرة أيام

في هذا اللقاء وجه الملك، عبر مستشاريه،  دعوة  إلى الأحزاب لتقديم مذكرات مكتوبة خلال أجل لا يتجاوز عشرة أيام، تتضمن تصوراتها حول آليات تنزيل الحكم الذاتي ومجالات اختصاصاته، في إشارة إلى سعي الدولة في الانتقال من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البناء المؤسسي.

وبالرغم من إجماع الأمناء العامين على دعم الخطوة الملكية، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الأحزاب على صياغة مقترحات مؤسساتية واقعية تتجاوز الشعارات، وتخرج فيه من تلك العبارة المكررة،”مشروعنا هو مشروع جلالة الملك” .

الأحزاب أمام امتحان وطني عسير

فالمطلوب اليوم ليس فقط إعلان الولاء للوحدة الترابية، بل تقديم تصورات عملية حول الحكم المحلي، العدالة المجالية، وآليات دمج الساكنة الصحراوية في التنمية.

هذا اللقاء، بحسب بعض المحللين، يُعيد الأحزاب إلى دائرة القرار بعد سنوات من الغياب، لكنه في الوقت ذاته يضعها أمام امتحان وطني عسير: هل تملك فعلاً القدرة على تحويل مبادئ الإجماع إلى سياسات عمومية قابلة للتطبيق؟

في هذا الإطار قالت الباحثة والناشطة الحقوقية، لطيفة البوحسيني، “أتمنى صادقة أن تتوفر الأحزاب السياسية على الجرأة اللازمة في تقديم مقترحات بشكل يؤكد استقلالية قرارها من جهة، وبما يساهم في الدفع في اتجاه جهوية متقدمة بديلة على الجهوية “المركزية” من جهة ثانية.

البوحسيني: لسنا بحاجة إلى تكرار الولاء

البوحسيني

وأضافت في تدوينة لها، على صفحتها على الفايسبوك، “لسنا بحاجة إلى خطاب يلوك أسطوانة “مشروعنا هو مشروع جلالة الملك” التي كانت واحدة من علامات العياء والتخلي الطوعي للعديد من الأحزاب عن قرارها المستقل ورأيها الخاص والموقف الذي يميزها…نحن بحاجة إلى أحزاب مستقلة القرار والرأي”.

وتابعت في التدوينة ذاتها، “الشيطان يختفي في التفاصيل…والتفاصيل علاقة بالقرار الأممي، يتطلب شجاعة الدفاع عن مشروع بناء جهوية ديمقراطية…وهو المطلوب من الأحزاب الدفاع عنه ضد أية محاولة تقوض التطلع لحل المشكل بشكل نهائي على قاعدة ربح المستقبل..”، والمستقبل، تضيف البوحسيني، إما أن يكون ديمقراطيا أو لا يكون”

نحو مرحلة جديدة من مقاربة الصحراء

إن هذا الاجتماع، يمكن أن يدخل المغرب مرحلة جديدة في إدارة ملف الصحراء، يكون عنوانها التفصيل التشريعي والمؤسسي لمشروع الحكم الذاتي. وإذا ما نجحت هذه العملية، فسيكون المغرب قد رسّخ نهائياً انتقاله من منطق إدارة النزاع إلى منطق بناء الحل.

ورغم الزخم الرمزي والسياسي للقاء في حد ذاته، فإن الرهان على الأحزاب السياسية في بلورة تصوّرات واقعية ومستقلة بشأن تنزيل الحكم الذاتي يبدو رهانًا محفوفًا بالشكوك.
فالتجربة السياسية المغربية خلال العقدين الأخيرين تُظهر أن أغلب الأحزاب فقدت استقلاليتها الفكرية والتنظيمية، وباتت تتحرك داخل هوامش مرسومة سلفًا.


وفي كل محطة وطنية كبرى، تُكرّر القيادات الحزبية المقولة ذاتها: “مشروع الملك هو مشروعنا”، بما يُفرغ المشاركة من مضمونها ويحوّلها إلى مجرد تزكية سياسية لما هو مُقرَّر سلفًا.

ضعف استقلالية الأحزاب وتكرارها لخطاب الولاء أكثر من إنتاج الأفكار

إن ضعف استقلالية الأحزاب وتكرارها لخطاب الولاء أكثر من إنتاج الأفكار يجعل من الصعب التعويل عليها لتقديم مقترحات جريئة أو مبتكرة، خاصة في ورش مصيري يتطلب عمقًا مؤسساتيًا ودستوريًا مثل مشروع الحكم الذاتي.


فاللحظة الراهنة تعتبر من حيث المبدأ، فرصة لاستعادة المبادرة السياسية والقدرة على التفكير الجماعي في مستقبل الدولة، لكنها قد تنزلق، مرة أخرى، نحو إعادة إنتاج نفس الخطاب التقليدي الذي يجعل من السياسة مجرد صدى للقصر لا شريكًا في البناء.

في هذا الإطار قالت البوحسيني في تدونتها، أمام  الأحزاب التي لا زال البعض منها يحاول أن يكون لوجوده قيمة مضافة فرصة، أما من سلم أمره بشكل نهائي ومنذ زمان، فهؤلاء لا ينتظر منهم إلا الإنشاء الرديء.
وأضافت البوحسيني، إن “وجود الأحزاب أصلا، هو للدفع بما يخدم تطلعات وآمال ومصالح الفئات التي يمثلونها، وليس الهدف منه ترديد خطاب العام زين…، “العام ماشي زين”، ودوركم هو تقديم مقترحات تنتقل بالبلاد إلى وضع أفضل علاقة بالديمقراطية والتنمية والحقوق والحريات …
ليس مطلوبا منكم الدخول في أي صراع، مادام هناك اتفاق على الإطار العام…المطلوب منكم هو أن تكون لكم الجرأة والشجاعة لتمنحوا المعنى السياسي لوجودكم، ولا تكتفوا بمقترحات تقنية…”.

استثمار الفرصة لصياغة مشروع سياسي ديمقراطي

لتخلص بالقول: “إن الدولة المغربية تتوفر على أطر عالية التكوين ولها ما يكفي من مؤهلات تقنية لجعل المشروع قابلا للتنزيل…لذلك، المطلوب منكم أنتم بالذات هو استثمار الفرصة لصياغة مشروع سياسي ديمقراطي، ينفع أقاليمنا الجنوبية…وينفع أقاليم الشمال والشرق والغرب…ويضع نفسه في أفق يسمح بانطلاقة بناء مغاربي كما تحلم به شعوبها”.
إن المرحلة الراهنة ليست مجرد تمرين إداري لتفصيل مشروع الحكم الذاتي فقط على الأهمية التاريخية لذلك، بل هي أيضا فرصة سياسية لإعادة صياغة علاقة الدولة بالأحزاب على أساس المشاركة لا التبعية.
التقدير، أن إشراك الأحزاب في هذا الورش يجب أن يتحول من طقس تأييد إلى مختبر للأفكار، تُختبر فيه قدرتها على إنتاج تصوّرات ديمقراطية تُوسّع من صلاحيات الجهة وتُرسّخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فإذا نجحت القوى السياسية، وعلى الأقل بعضها، في تحويل هذه الفرصة إلى لحظة تأسيسية لمشروع سياسي ديمقراطي شامل، فسيكون المغرب قد ربح أكثر من ملفّ الصحراء: سيكون قد استعاد الثقة في السياسة ذاتها، وفي جدوى الأحزاب كمحرك للإصلاح لا كصدى للسلطة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه في ختام هذا المسار هو: هل يمكن أن يولد مشروع سياسي ديمقراطي من أحزابٍ تعايشت طويلاً مع التبعية واعتادت الصمت أكثر من المبادرة؟
لقد أُتيحت لها اليوم فرصة، أو على الأقل لبعضها، نادرة لتبرهن أنها قادرة على التفكير لا التكرار، وعلى اقتراح حلول لا ترديد الشعارات.
على سبيل الختم

الأحزاب المستقلة.. شرط الديمقراطية لا زينتها

في نهاية المطاف، لا يمكن لأي مشروع ديمقراطي أن يكتمل دون أحزاب سياسية حرة الإرادة، مستقلة القرار، تمتلك الجرأة على الاختلاف والمبادرة.

فالديمقراطية لا تُبنى فقط بالمؤسسات الدستورية والقوانين، بل بالعقول التي تجرؤ على التفكير خارج المألوف، وبالتنظيمات التي تعتبر نفسها شريكة في صياغة القرار لا مجرد منفّذة له.

حين تُصادر الأحزاب حقها في التفكير، وتختزل دورها في ترديد المواقف الرسمية، تُصاب الحياة السياسية بالجمود، وتتحول المشاركة إلى طقس رمزي لا يُنتج إصلاحًا ولا يُقنع مواطنًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى