الرئسيةمجتمع

تقرير..المرصد الوطني للإجرام يدق ناقوس الخطر: الجريمة تتبدل وجهًا ولغةً

أصدر المرصد الوطني للإجرام تقريرًا جديدًا يرصد تطور الجريمة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، كاشفًا عن ارتفاعٍ متواصل في عدد القضايا المسجلة مقابل تحوّلٍ نوعي في طبيعة الجرائم، حيث أصبحت الجرائم الاقتصادية والرقمية تتصدر المشهد، في حين سجلت بعض الجرائم التقليدية مثل المخدرات والعنف الجسدي تراجعًا نسبيًا.

ارتفاع القضايا وتحول في البنية الإجرامية

يُبرز التقرير، الذي اطلعت “دابا بريس” على مضامينه، أن عدد القضايا الزجرية في المغرب تضاعف منذ سنة 2002 بأكثر من ثلاث مرات، وهو ما يعكس من جهة تحسنًا في آليات التبليغ والرصد الأمني، ومن جهة أخرى تحولًا في السلوك الإجرامي نفسه.

ورغم هذا الارتفاع الكمي، تُظهر الأرقام أن الجرائم العنيفة لا تتجاوز 7 في المئة من مجموع القضايا، ما يعني أن أغلب الجرائم المسجلة ذات طابع اقتصادي أو رقمي، وليست بالضرورة عنيفة أو مادية.

تراجعً بنسبة 7 في المئة في عدد قضايا المخدرات

سنة 2024 عرفت، حسب التقرير، تراجعًا بنسبة 7 في المئة في عدد قضايا المخدرات مقارنة بعام 2023، لكن في المقابل شهدت ارتفاعًا واضحًا في حجم الكميات المحجوزة من الحشيش والكوكايين والمؤثرات العقلية.

ويرى المرصد أن هذا المؤشر يُبرز نجاعة التدخلات الأمنية وتطور أساليب المراقبة، دون أن يعني بالضرورة تراجع الطلب الداخلي على المخدرات أو زوال شبكات التهريب.

أكد التقرير أن المغرب يشهد زيادة مطّردة في الجرائم الاقتصادية والرقمية، خصوصًا ما يتعلق بالاحتيال الإلكتروني، والنصب عبر الإنترنت، واختراق الحسابات البنكية، والابتزاز الرقمي.

هذه التحولات، وفق المرصد، تفرض تحديث المنظومة القانونية والأمنية بما يتناسب مع طبيعة التهديدات الحديثة في العالم الرقمي، وتعزيز قدرات المتابعة التقنية للأجهزة المختصة.

الجرائم ضد الأموال .. سرقات ونصب في الواجهة

بلغت القضايا المتعلقة بالجرائم ضد الأموال مليونا و581 ألفا و87 قضية، تتصدرها قضايا السرقات وانتزاع الأموال بنسبة 44.4 في المائة، تليها قضايا النصب وإصدار شيكات بدون مؤونة بنسبة 5.3 في المائة، ثم الاعتداء على الأملاك العقارية بنسبة 14.1 في المائة.

وعرفت هذه الجرائم تذبذبا عبر السنوات، حيث ارتفعت سنة 2005 بنسبة 55.5 في المائة، وتراجعت سنة 2020 بنسبة 26.1 في المائة، قبل أن تعود للارتفاع سنة 2022 بنسبة 18.7 في المائة.

وأبرز التقرير أن انتشار هذه الجرائم يرتبط بتطور المعاملات التجارية غير المهيكلة وبمظاهر الاحتيال العقاري التي بدأت تأخذ بعدا مقلقا في بعض المناطق.

الأسباب الاجتماعية في صلب الظاهرة

يربط التقرير تنامي بعض مظاهر الجريمة بعوامل اجتماعية واقتصادية، على رأسها البطالة وضعف فرص الاندماج المهني والهشاشة المجالية.

ويشدد المرصد على ضرورة تبني مقاربة اجتماعية وقائية ضمن السياسات الأمنية، عبر دعم التعليم والتكوين المهني، وتوفير بدائل اقتصادية للشباب، وتحسين الخدمات العمومية في المناطق الأكثر هشاشة.

دعا المرصد الوطني للإجرام إلى إجراء مسح وطني لضحايا الجريمة كل سنتين لتقدير حجم الجرائم غير المبلَّغ عنها، وإلى توحيد التصنيفات الرقمية بين المصالح الأمنية والقضائية، وتطوير برامج وقائية للشباب.

كما أوصى بـ تعزيز التعاون مع المنصات الرقمية الدولية لرصد الجرائم الإلكترونية، وبـ نشر بيانات سنوية مفتوحة لفائدة الباحثين والمجتمع المدني، من أجل دعم الشفافية وتطوير التحليل العلمي للظاهرة الإجرامية.

على سبيل الختم

إن تتبع تطور الجريمة في المغرب يُظهر بوضوح أن البلاد دخلت مرحلة جديدة من التحديات الأمنية والاجتماعية، حيث لم تعد الجريمة ظاهرة تقليدية محدودة بالعنف المادي، بل أصبحت متشابكة مع الاقتصاد الرقمي، والظروف الاجتماعية، والتحولات الثقافية.

ورغم المجهودات التي تبذلها الأجهزة الأمنية والقضائية، فإن الوقاية تبقى الركيزة الأساسية لأي سياسة فعّالة لمواجهة الجريمة في أفق طويل الأمد.

ويتطلب ذلك تنسيقًا مؤسساتيًا بين الدولة والمجتمع المدني، وانفتاحًا أكبر على البحث العلمي في ميدان علم الإجرام، من أجل بناء رؤية شاملة ومندمجة تُوازن بين الردع الأمني والتنمية الاجتماعية.

بهذا المنظور، يؤكد المرصد الوطني للإجرام أن الأمن لا يُبنى فقط بالمراقبة والعقوبة، بل كذلك بالثقة والعدالة والإنصاف — فالمجتمع الآمن هو الذي يُعالج أسباب الجريمة قبل أن يُعاقب نتائجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى