المخرج الثائر على قواعد السينما يقود لجنة تحكيم مهرجان «البحر الأحمر»

في خطوة تؤكد طموح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نحو ترسيخ مكانته كمنصة عالمية تجمع بين الإبداع والتنوّع، أعلن القائمون على المهرجان اختيار المخرج الأمريكي “شون بيكر”، الفائز بجائزة الأوسكار لعام 2024، رئيسًا للجنة تحكيم الأفلام الطويلة في دورته الخامسة التي ستنعقد بين 4 و13 دحنبر المقبل في جدة التاريخية.

لم يكن هذا الاختيار مجرد قرار رمزي، بل يعكس توجه المهرجان نحو الاحتفاء بالمبدعين الذين كسروا الحواجز التقليدية للسينما وفتحوا آفاقًا جديدة أمام الفن السابع.

مخرج الأوسكار وصانع التحولات في السينما المستقلة

يُعدّ شون بيكر من أبرز المخرجين الذين أعادوا تعريف مفهوم السينما المستقلة في العقدين الأخيرين.. فمنذ بداياته، حملت أعماله توقيعًا فنيًا خاصًا يجمع بين الواقعية الإنسانية والبساطة التقنية دون أن تفقد العمق الدرامي.

وقد عزّز فيلمه الأخير «أنورا» (Anora) هذا الحضور، بعدما حصد خمس جوائز أوسكار عام 2024، منها أفضل فيلم ومخرج وسيناريو أصلي ومونتاج وأفضل ممثلة (لمايكي ماديسون)..لم يكن هذا النجاح الساحق وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية إخراجية متحررة من القيود التجارية، تضع الإنسان في صميم الحكاية.

من “Tangerine” إلى “The Florida Project”.. رحلة مبدع لا يعرف المستحيل

شون بيكر ليس مخرجًا عابرًا في مشهد السينما المستقلة؛ فهو الرجل الذي أثبت أن التقنية ليست عائقًا أمام الفن، بل وسيلة لتحرير.. بعد تصويره لفيلمه الشهير Tangerine(2015) بالكامل باستخدام هاتف iPhone 5S، في تجربة ثورية ألهمت جيلاً من المخرجين الشباب حول العالم.

أما «مشروع فلوريدا» (The Florida Project)عام 2017، فكان بمثابة شهادة ميلاد سينمائية جديدة له، إذ حصد الفيلم إشادة نقدية عالمية بفضل واقعيته المؤثرة، وأدى إلى ترشيح النجم “ويليم دافو” للأوسكار والغولدن غلوب والبافتا كأفضل ممثل مساعد.
ومن بين أعماله السابقة “Take Out” و”Prince of Broadway” و”Starlet” ، وهي أفلام تتشارك خيطًا فنيًا واحدًا: إنسانية عميقة، وحب للواقع الهامشي، وإصرار على أن تُروى القصص من منظور منسيي العالم.

مهرجان البحر الأحمر.. جسر عالمي بين الشرق والغرب

يأتي تعيين بيكر في لحظة فارقة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي يواصل ترسيخ مكانته كمنصة حيوية لاحتضان التجارب السينمائية من “آسيا وأفريقيا والعالم العربي”..
و في نسخته الخامسة، سيتنافس “16 فيلماً طويلاً” على “جوائز اليسر” المرموقة، وسط حضور دولي متنوع يجمع بين السينما الروائية والوثائقية والرسوم المتحركة.

ويُنتظر أن يشكل وجود شون بيكر على رأس لجنة التحكيم دفعة نوعية في تقييم الأعمال المشاركة، نظرًا لخبرته في ملامسة التفاصيل الدقيقة للقصص الإنسانية التي تشبه في جوهرها روح المهرجان ذاته.

إشادة من إدارة المهرجان برؤية بيكر الفنية

أوضح “فيصل بالطيور” ،الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائية، أن اختيار بيكر لم يأتِ من فراغ، قائلاً: “إنه أحد المخرجين الرياديين الذين تركوا بصمة فريدة في عالم السينما، وتميّز بسرد واقعي أصيل ورؤية فنية دفعت بحدود الإبداع إلى آفاق جديدة، فنحن نُقدّر التزامه بصناعة السينما المستقلة وإيمانه العميق بقوة القصة الصادقة في الوصول إلى الجمهور.” وأضاف بالطيور أن هذا الاختيار يأتي عقب النجاح الباهر الذي حققه بيكر في جوائز الأوسكار الأخيرة، مما يجعل رئاسته للجنة التحكيم تتويجًا لمسيرة فنية استثنائية.

بيكر: “مهرجان يحتفي بالجرأة والتنوع”

من جانبه، عبّر شون بيكر عن سعادته الغامرة بهذا التكليف قائلاً: “يشرفني أن أترأس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، مستكملاً المسيرة التي بدأها المخرج سبايك لي.”

وأشار إلى إعجابه بالطريقة التي يحتفي بها المهرجان بـ”الأصوات السينمائية الجريئة والمتنوعة من مختلف أنحاء العالم”، مضيفًا أن مسابقة الأفلام الطويلة لهذا العام تسلط الضوء على أبرز المواهب الصاعدة في العالم العربي وأفريقيا وآسيا.

بين جدة وهوليوود.. حوار مفتوح بين الثقافات

اختيار شون بيكر على رأس لجنة التحكيم لا يُعد مجرد تكريم لمخرج عالمي، بل هو جسر رمزي بين عوالم سينمائية متباينة.. فبين جدة التاريخية، حيث تُقام فعاليات المهرجان في أجواء تمزج بين الأصالة والحداثة، وهوليوود التي صنعت أسطورة بيكر، تتجدد لغة السينما كأداة للحوار الثقافي والإنساني.

و بهذا التوجه، يؤكد مهرجان البحر الأحمر السينمائي أنه ليس مجرد حدث فني، بل “مختبر عالمي للأفكار والرؤى” ، حيث تتلاقى الحكايات وتُصنع التحولات.

أما شون بيكر، فيبدو أنه سيواصل من جدة رحلته في كسر القواعد… ولكن هذه المرة، من موقع الحَكم لا المخرج.