
الانتقال العادل بالمغرب: رهان التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية
بقلم:د. نورالدين سعودي
يعدّ الانتقال العادل من أبرز الرهانات التي تواجه المغرب في حالة اختياره التحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام.
ينطلق مفهوم الانتقال العادل من قناعة أساسية بأن التحولات الاقتصادية، وخاصة تلك المرتبطة بإزالة الكربون واعتماد الطاقات المتجددة، لا ينبغي أن تتم على حساب الفئات الهشة أو أن تعمّق الفوارق الاجتماعية. من هذا المنطلق، تعلن الحكومة أنها تسعى إلى وضع سياسات تأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية فرص الشغل، وإعادة تأهيل اليد العاملة المتأثرة، وتوزيع مكاسب التحول بطريقة منصفة بين مختلف مكونات المجتمع. هل ستنجح هذه السياسات في تغيير السمات الهيكلية للواقع المغربي؟
1- السمات البنيوية للاقتصاد المغربي :
– الاعتماد المفرط على القطاع الفلاحي وتداعيات الجفاف
رغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، لا يزال المغرب يعتمد بشكل كبير على الفلاحة، التي توظف حوالي 40% من اليد العاملة. لكن توالي سنوات الجفاف، حيث سجلت البلاد سبع سنوات متتالية من قلة التساقطات، أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 43% في بعض المواسم، وتراجع أعداد الماشية بنسبة 38%، مما أثر سلبًا على الأمن الغذائي والتشغيل في العالم القروي.)
– البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء

بلغ معدل البطالة في المغرب حوالي 13.3% في عام 2024، مع تفاقم الوضع بين الشباب (أكثر من 26%) والنساء. ويرجع ذلك إلى ضعف دينامية سوق الشغل، وهيمنة القطاع غير المهيكل، وغياب سياسات فعالة لإدماج الفئات الهشة في الاقتصاد الرسمي.
– عجز الميزانية وارتفاع الدين العمومي
من المتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى 3.9% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2025، نتيجة لزيادة النفقات العمومية بوتيرة أسرع من نمو الإيرادات. كما أن الدين العمومي يشكل عبئًا متزايدًا، حيث أنه بلغ هذه السنة حوالي 90% من الناتج الداخلي الإجمالي، مما يستدعي إصلاحات مالية هيكلية لتقليصه إلى المستوى المقبول.
– ضعف الإنتاجية وتحديات القطاع غير المهيكل
يُعزى انخفاض مستويات الإنتاجية جزئيًا إلى غياب برامج التدريب المهني الممنهجة ومحدودية الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة في القطاع غير المهيكل، الذي يمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد المغربي. هذا القطاع يعيق تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام على المدى الطويل، ويؤثر سلبًا على الإيرادات الضريبية وظروف العمل. (
– التغيرات المناخية وتأثيرها على الموارد الطبيعية

يُتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية بشكل كبير على المغرب، خاصة في القطاعات الزراعية والصيد البحري، التي توظف نصف السكان وتشكل 14% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يشكل تهديدًا كبيرًا للقوى الاقتصادية الرئيسية.
– الفوارق المجالية والاجتماعية
لا تزال الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية قائمة، مع تفاوت في الوصول إلى الخدمات الأساسية والبنية التحتية. هذا التفاوت يعمق الإقصاء الاجتماعي ويحد من فرص التنمية المتوازنة. (Carnegie pour la Paix Internationale)
– الفساد وضعف الحكامة
يُعد الفساد من أبرز المعوقات أمام الاستثمار والتنمية في المغرب. وفقًا لمؤشر مدركات الفساد لعام 2024، حصل المغرب على درجة 37 من 100، مما يشير إلى وجود تحديات كبيرة في مجال الشفافية والحكامة.
خلاصة
رغم التوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد المغربي في 2025، إلا أن التحديات المذكورة تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة، تشمل تغيير عميق في توجهات السياسات الاقتصادية (تنمية النسيج الصناعي النضيف…)، تعزيز الحكامة، وتطوير سياسات اجتماعية واقتصادية شاملة لضمان تنمية مستدامة وعادلة اجتماعيا ومجاليا .
2- الانتقال العادل
يُعدّ الانتقال العادل من أبرز الرهانات التي تواجه المغرب في سياق تحوله نحو اقتصاد أخضر ومستدام. فمع تزايد التحديات المناخية والضغوط البيئية، تبنّى المغرب رؤية استراتيجية تهدف إلى التوفيق بين حماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
ينطلق مفهوم الانتقال العادل من قناعة أساسية بأن التحولات الاقتصادية، وخاصة تلك المرتبطة بإزالة الكربون واعتماد الطاقات المتجددة، لا ينبغي أن تتم على حساب الفئات الهشة أو أن تعمّق الفوارق الاجتماعية. من هذا المنطلق، يسعى المغرب إلى وضع سياسات تأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية فرص الشغل، وإعادة تأهيل اليد العاملة المتأثرة، وتوزيع مكاسب التحول بطريقة منصفة بين مختلف مكونات المجتمع.
وقد تجلّى هذا الالتزام من خلال عدة مبادرات، منها: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتعزيز الاستثمار في الطاقات النظيفة، وتطوير برامج التكوين المهني المرتبطة بالمهن الخضراء، فضلاً عن دعم المناطق المتضررة من إغلاق الصناعات التقليدية كثيفة الكربون، كالمناطق المنجمية.
كما يعمل المغرب، من خلال مؤسساته الوطنية وشراكاته الدولية، على ضمان أن يكون هذا الانتقال فرصة لتعزيز الإدماج الاجتماعي وتقليص الفوارق المجالية، لاسيما بين العالمين الحضري والقروي.
غير أن تحقيق انتقال عادل يتطلب مجهودات متواصلة على مستويات متعددة: إصلاح المنظومات التعليمية والتكوينية، دعم الابتكار، خلق آليات تمويل موجهة نحو الفئات المتضررة، وتوسيع الحوار الاجتماعي لضمان انخراط كل الأطراف المعنية.
إن الانتقال العادل في المغرب ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة ملحة لضمان مستقبل أكثر توازنًا واستدامة. فهو يمثل السبيل الأمثل لتحقيق تنمية شاملة، قادرة على مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية، دون التخلي عن مبادئ العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان.
2-الانتقال العادل في المغرب: مقاربة نقدية لنقاط القوة والضعف (2025)
في ظل التحولات البيئية المتسارعة والرهانات الدولية المرتبطة بالمناخ، يشكّل مفهوم الانتقال العادل خيارًا استراتيجيًا.
ينطلق مفهوم الانتقال العادل من قناعة أساسية بأن التحولات الاقتصادية، وخاصة تلك المرتبطة بإزالة الكربون واعتماد الطاقات المتجددة، لا ينبغي أن تتم على حساب الفئات الهشة أو أن تعمّق الفوارق الاجتماعية، لاسيما ضرورة حماية فرص الشغل، وإعادة تأهيل اليد العاملة المتأثرة، وتوزيع مكاسب التحول بطريقة منصفة بين مختلف مكونات المجتمع.
غير أن تقييم هذه المقاربة حتى سنة 2025 يكشف عن مسار مزدوج، يزاوج بين التقدم الهيكلي والتحديات البنيوية، ويستدعي نظرة نقدية لتقويم الأداء وصياغة أفق مستدام وعادل.
أولًا: نقاط القوة
-إرادة سياسية واضحة تجلت من خلال التزامات المغرب ضمن اتفاق باريس للمناخ، وتخصيص محور خاص للعدالة الاجتماعية والمجالية في النموذج التنموي الجديد (2021). كما أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة (SNDD) عززت من حضور مفاهيم العدالة البيئية والمشاركة المجتمعية.
-نجاحات ميدانية نسبية : تجربة جرادة شكّلت مختبرًا مهمًا لفهم إشكالية إعادة الإدماج الاقتصادي بعد إغلاق أنشطة ملوثة.
توسيع قاعدة التكوين في المهن الخضراء (الطاقات الشمسية، معالجة المياه، النجاعة الطاقية…) يشير إلى توجه تدريجي نحو بناء قاعدة كفاءات وطنية.
– مبادرات مثل الهيدروجين الأخضر ومجمع نور للطاقة الشمسية جعلت المغرب فاعلًا إقليميًا رائدًا في قضايا الانتقال الطاقي، ما يعزز جاذبيته الاستثمارية ويكرس مصداقيته البيئية.
ثانيًا: نقاط الضعف
-ضعف الأثر الاجتماعي المباشر: رغم المشاريع المهيكلة، لا تزال الفئات الهشة- خصوصًا في المناطق القروية والمناطق الصناعية القديمة- تعاني من البطالة وغياب الحماية الاجتماعية. لا يظهر أن هذه الفئات قد استفادت فعليًا من ثمار الاقتصاد الأخضر.
-غياب آليات مؤسسية فعالة للعدالة البيئية:لم تُحدث بعد هيئة مستقلة ترصد وتحكم في توزيع مكاسب التحول البيئي. كما أن السياسات لا تُبنى دائمًا على التشاور المحلي أو المقاربة التشاركية، مما يضعف المصداقية الاجتماعية للانتقال.
-التمويل المشروط والاعتماد على الشراكات الخارجية: يعتمد جزء كبير من مشاريع الانتقال البيئي على تمويلات أجنبية أو قروض خضراء، ما يطرح أسئلة حول الاستقلالية السيادية والقدرة على توطين التكنولوجيا والتحكم في سلاسل الإنتاج.
-ضعف البعد الترابي في التخطيط:لا تزال السياسات الوطنية تفتقر إلى تنسيق محكم مع الجماعات المحلية، ولا تُراعى بشكل كافٍ الفروقات المجالية. الانتقال العادل لا يمكن أن يتحقق في ظل مركزية القرار.
خاتمة
الانتقال العادل في المغرب يخطو خطوات واعدة على المستوى الرمزي والمؤسساتي، لكنه ما يزال بحاجة إلى تجذير اجتماعي ومجالي حقيقي. إن تجاوز المنطق التقني البحت والانفتاح على منطق العدالة التشاركية والاقتصاد التضامني (دعم النهج التعاوني والمقاولين الشباب…)، سيجعل من هذا الانتقال ليس فقط ضرورة بيئية، بل أيضًا رافعة حقيقية للتنمية الشاملة.





