رمضانيات: كتاب أثار جدلا “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”.. الاستبداد هو نار غضب الله في الدنيا الحلقة 1
09/05/2019
0
كثيرون اعتبروا عبدالرحمن الكواكبي كان ضحية قلمه الثائر، وكان كتابه الذي صدر له في القاهرة في طبعة أولى مطلع القرن العشرين “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي شخص فيه علة الاستبداد السياسي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، سببا في موته عام 1902 متأثرا بسم شربه في فنجان قهوة قيل إنه شربها في مقهى توجد بالقاهرة اسمها يلدز….
الاستبداد هو نار غضب الله في الدنيا…. الحلقة الأولى
عبدالرحمن الكواكبي الذي ولد سنة 1848 بمدينة حلب السورية، والذي سيصبح عالما مشهورا. فبعد أن كان مسؤولا عن صحيفة تصدرها الحكومة العثمانية، قرر أن يغادرها وعمره العشرين، كي يصدر صحيفة باسمه، لكي تكون وسيلته للتعبير وبحرية عما يعتقده ويشكل وجهة نظره، وهي الصحيفة التي سيسميها “الشهباء”، وهو اللقب الذي يطلق على مدينة حلب السورية. لكن التجربة لم تدم طويلا، ليقرر بعدها إنشاء صحيفة أخرى سيطلق عليها اسم “الاعتدال”، وستتعرض هي الأخرى للقمع ويجري إغلاقها.
عايش الكواكبي الاستبداد السياسي وحاصره ومنعه فوجد أن الطغيان أصبح جاثما على صدور الناس، وسيكون ذلك دافعه لصياغة كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، الذي كان تحليلا لما يفعله الاستبداد بالناس وتأثيره على سلوكهم، وقدم عنه صورة واضحة وحلل تأثيره على طبائع الناس وتأثيره على المجتمع، وأطلق عبارته الشهيرة “الاستبداد أصل كل فساد”.
يقدم الكواكبي شخصية المستبد بأنه “شخص يود أن تكون رعيته طائعة، وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خُدمت خَدمت، وعلى الرعية أن تعرف مقامها، هل خلقت لخدمة حاكمها وتطيعه إن عدل أو جار، وخلق هو كي يحكمها إن بعدل أو اعتساف أم هي جاءت ليخدمها لا يستخدمها”.
ويعتبر الكواكبي أن الاستبداد يحدث متى أصبحت الحكومة مطلقة العنان، لا يقيدها قانون ولا إرادة أمة، مشيرا إلى أن الاستبداد إذا أصاب أمة، فإنه لا يترك منها لا الرأس ولا القاعدة؛ ذلك أن “الحكومة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الفراش إلى كناس الشارع”.
ويحمِّل الكواكبي مسؤولية الاستبداد ليس فقط للحاكم، وإنما حتى للساعين إلى التقرب منه، ويصفهم بـ”الأسافل” الذين لا تهمهم محبة الناس، “وإنما غاية مناهم اكتساب ثقة المستبد، ويظهرون أنهم على شاكلته وأنصار لدولته وبهذا يأمنهم ويأمنونه ويشاركهم ويشاركونه”، قبل أن يؤكد أن استمرار الاستبداد ليس رهينا فقط بوجود حاكم مستبد أو حكومة مستبدة، وإنما “لوجود شعب يقبل هذا الاستبداد”، موضحا بأن قدرة الشعب على مقاومة هذه الظاهرة هي علاج الاستبداد.
يستهل عبدالرحمن الكواكبي كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” بمقدمة يبسط من خلالها الأسباب التي جعلته ينتصر لفكرة أن الاستبداد هو أصل وجوهر الانحطاط والتخلف الذي يعانيه المسلمون، وهذه النتيجة كما يقول الكواكبي التي توصل إليها، هي نتيجة بحث مضني امتد لثلاثين سنة، يقول الكواكبي في كتابه وهو يشرح ويوضح علة الاستبداد السياسي: “الاستبداد هو نار غضب الله في الدنيا، كما أن الجحيم نار غضبه في الآخرة، وقد خلق الله النار أقوى المطهرات، فيطهر بها في الدنيا دنس من خلقهم أحرارا، وجعل لهم الأرض واسعة، فكفروا بنعمة الحرية، ورضوا بالاستعباد والظلم”.