جمعية:في الردود على تقرير بنيوب إذا كانت الدولة احتضنت حراك الريف فلماذا نهجت المقاربة الأمنية في التعامل معه
اعتبرت جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي الحراك الشعبي بالريف، أن تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، حول أحداث الريف، ومن خلال عنوانه “تجنب الحديث عن حَراك الريف، وحاول تبرير ذلك بمسوغات أكاديمية متهافتة تجعل من حراك الريف حدثا عرضيّا شأنه شأن باقي الاحتجاجات العادية”، وأضاف بيان الجمعية، الذي توصلت “دابا بريس” بنسخة منه، ” أن ما حدث ويحدث بالريف، حَراك مجتمعي هوياتي يعبر بحق عن حركية اجتماعية عابرة بعمقها للمناطقية وللفئات والطبقات الاجتماعية، ولا يمكن فهمه بإسقاط نظريات ومفاهيم جاهزة عليه، وإنما باستفزاز العقل الأكاديمي لمراجعات مفاهيمه وأطره النظرية والمنهجية بغية فهم الواقع الاحتجاجي في صيرورته وديناميته، علما أن المفاهيم تُبدع في غمرة تفاعلات الوجود الإنساني وتحولاته الكمية والنوعية، وبشكل معقد غير قابل للضبط”.
وقال البيان، في معرض الرد على تقرير، أحمد شوقي بنيوب، إن التقرير أثار ” استياء نسيج الهيئات الحقوقية، كما أثار موجة غضب عارمة لدى الرأي العام المحلي والوطني، لا سيما لدى معتقلي الحراك الشعبي بالريف وعائلاتهم وكل من عايش أحداث حَراك الريف”.
وأوضح البيان أن ما حدث بالريف “منذ طحن الشهيد محسن فكري سُميّ بحراك الريف واشتهر بهذا الاسم محليا ووطنيا وعالميا، إعلاميا وحقوقيا وسياسيا وأكاديميا أيضا. وما كان لتقرير المندوبية أن يحاول تجريد ما حدث بالريف من الاسم الذي ارتضاه له نشطاؤه، وحاولوا أن يكون كما أرادوه: الحراك الشعبي بالريف السلمي والحضاري” على حد تعبير المصدر نفسه.
وأشار البيان أن المنهجية التي “تغنى التقرير كثيرا بأكاديميتها واحترافيتها تشكو من خلل بنيوي يتمثل في التناقض بين ما ورد في القسم الأول (وقائع ومعطيات نوعية) والقسم الثاني (محاكمة الدار البيضاء وضمانات المحاكمة العادلة) والقسم الثاني (أعمال وجهود السلطة والمؤسسات الدستورية) وبين ما جاء في القسم السادس (استنتاجات وتوصيات)”، مشددا التأكيد أن “حراك الريف قاده شباب بدون مستوى، هم ضحايا الهدر المدرسي وذوي المهن الرثة والعاطلين عن العمل، فلماذا زلزل البلاد بأسرها واحتضنته “الأمة المغربية، على مستوى الدولة والمجتمع”؟ ولماذا كل هذه الضجة حوله؟ ولماذا هذا التقرير أصلا؟ وما الداعي لتوصياته “التاريخية”؟. وإذا كانت الدولة قد احتضنت حراك الريف، فلماذا نهجت المقاربة الأمنية في التعامل معه؟”.
واستطرد البيان قائلا إن “مرد هذا التناقض الذي يخترق التقرير هو طبيعة “المعطيات النوعية” التي اعتمدها، وهي معطيات ليست نوعية إلا في الانحياز المطلق والأعمى للرواية الرسمية، ولا تخبرنا بحقيقة أن من احتضن حراك الريف هو المجتمع العميق وليس الدولة بمؤسساتها وأجهزتها. وبذلك، يكون تقرير المندوب استمرارا موضوعيا للبلاغ المشؤوم الذي أصدرته أحزاب الأغلبية الحكومية يوم 14 ماي 2017 الذي اتهمت فيه الحراك بالانفصال والتآمر والعنف، ومحاولة لتبرير انتهاكات الدولة الجسيمة لحقوق الإنسان بالمنطقة ولتنميق تجاوزات جهازها الأمني في حق مواطنين سلميين إلى درجة وصف المقاربة الأمنية ضد حراك الريف بأنها تمثل “أول ممارسة فضلى نوعية في تاريخ المغرب منذ 1956”.
في نفس السياق، وبعد أن أكد البيان أن وصفه ل وثيقة المندوبية بالتقرير تجاوزا، بسبب “افتقادها للمنهجية الدقيقة لإعداد التقارير حول الأحداث الاجتماعية: الجرد الموضوعي لسياق وكرونولوجيا الأحداث، رصد الخروقات، الملاحظات، التوصيات؛ بالإضافة إلى أن مصادر الوثيقة ثانوية وغير موثوق بها. فخلال الأحداث الاجتماعية يهم أساسا الرصد الميداني والمتابعة واللقاءات المباشرة وزيارة مواقع الأحداث والمتدخلين المباشرين، حتى يكون مصدر المعلومة ذا مصداقية ومتنوعا”.
وأبرز المصدر نفسه أن ” الضعف المنهجي للوثيقة هو الذي جعلها تمرر مغالطات وافتراءات وتأويلات مجانبة للصواب ومغايرة للواقع، إن على مستوى وصف مسار الحراك أو على مستوى تناول محاكمات الدار البيضاء لمجموعة من معتقلي حراك الريف، إضافة إلى تجاهل محاكمات النشطاء بالحسيمة وغيرها”.
وقدم البيان توضيحات بشان ذلك، مؤكدا أن التقرير فشل “في صياغة الإشكالية التي أثارها حراك الريف واكتفى باجترار حرفي لسؤالي عبد الكبير طبيح محامي الطرف المدني، نوردهما حرفيا: هل يعقل أن يستمر الوضع في الحسيمة، خارج كل الضوابط القانونية لما يزيد على 7 أشهر؟، وهل من المعقول أن تصبح الحسيمة خارج كل رقابة أمنية وغيرها تقوم بها الدولة؟”.
وواصل البيان انتقاده لتقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، بقوله إن “منطوق السؤالين ينزع لتبرير المقاربة الأمنية القمعية التي اعتمدتها الدولة لضرب الحراك الشعبي السلمي بالريف، و يوحي بأن إقليم الحسيمة كان خارج كل الضوابط القانونية. والحال أن الحياة اليومية للمواطنين والمؤسسات العمومية بمختلف مرافقها وقطاعاتها كانت تشتغل بشكل عادي دون عرقلة ( المدارس، المستشفيات، الإدارات، وسائل النقل، التجارة…)؛ بل إن فترة الأشهر السبعة من عمر الحراك تميزت بانخفاض مظاهر الجريمة والانحراف والانتحار والهجرة السرية إلى أدنى مستوياتها، على حد وصف البيان نفسه.
وشدد بيان جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي الحراك الشعبي بالريف، القول ب أن ” أشنع عيوب التقرير تتمثل في انتقائيته للوقائع والمعطيات، وتوظيفها لترسيخ منظور السلطة وتشويه الحراك والمساس بقيمة وكرامة نشطائه وسلمية حراكهم. وما يجدر التأكيد عليه هو أن الأجهزة الأمنية عملت على مراقبة النشطاء ومنع احتجاجاتهم السلمية منذ بداية الحراك، فعمدت إلى فض اعتصام جزئي بالساحة الكبرى ليلة 4 يناير 2017 باستعمال القوة المفرطة، أعقبه محاصرة تلك الساحة وغيرها، بتواطؤ مكشوف بين السلطات المحلية والمجلس البلدي وبعض الجمعيات الانتهازية بالمدينة. ومنذ بداية الحراك خضع الريف للعسكرة والحصار وبشكل تصاعدي، واشتد ذلك الحصار بعد الدعوة إلى مسيرة 5 فبراير2017 تخليدا لذكرى رحيل الأمير الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي وللمصادقة على الملف المطلبي، حيث تهجمت قوات الأمن على نشطاء الحراك في المقاهي والشوارع العمومية وعنفتهم وحاصرتهم بالقوة كي لا يلتحقوا بساحة شاطئ الجميل لتنظيم مسيرتهم، بعد أن حاصرت باقي ساحات المدينة”.
وأضاف بيان الجمعية، في السياق نفسه أنه و “حفاظا على سلمية الحراك وتجنبا لكل مظاهر العنف التي كانت القوات الأمنية تستدرج إليها نشطاء الحراك، وجه النشطاء بلاغا لعموم المواطنين والمواطنات دعوا فيه إلى الحرص على السلمية والانسحاب من الساحات العمومية وتجنب الاحتكاك مع قوات الأمن”.
وأبرز البيان ، أن التقرير حاول بكل مكر، على حد وصفه، “أن يحمِّل نشطاء الحراك مسؤولية أحداث العنف والتخريب والفوضى التي عرفتها المنطقة، وأشار أكثر من مرة لما أسماهم بالعناصر الملثمة، بشكل يوحي بأنهم من نشطاء الحراك. والواقع أن تلك العناصر الغريبة تم استقدامها إلى المنطقة لخلق الشعب والفوضى، والنشطاء حذروا منها في أكثر من مرة. وقد انكشف أمرها على إثر أحداث الشغب التي اعقبت مباراة في كرة القدم بين الوداد البيضاوي وشباب الريف يوم 2017/3/3، حيث عاثت في المدينة فسادا”.
واعتبرت الجمعية في بيانها، أن التقرير، ومن أخذ عنهم معطياته النوعية في تزييف الحقيقة، هو “أن القوات الأمنية لم تعتقل ولو فردا واحدا من تلك العناصر الغريبة التي اعتدت على المواطنين وخربت الممتلكات الخاصة والعامة، في حين عمدت إلى اعتقال مجموعة من أبناء المنطقة وطبخت لهم ملفات مفضوحة دفعت قاضي المحكمة الابتدائية للحكم ببطلان تلك المحاضر وبإطلاق سراح الموقوفين. وهي سابقة نوعية في سياق المحاكمات الماراطونية لنشطاء حراك الريف“.
وأشار البيان أنه “ورغم تشبث نشطاء الحراك بسلمية حراكهم، والتعبير الدائم عن استعدادهم للحوار الجاد والمسؤول حول ملفهم المطلبي، فإن الخطاب الرسمي للدولة كان يصر على شيطنة الحراك وتخوين نشطائه واتهامهم بالانفصال والتآمر”، مؤكدا أن الدولة لم تتردد في تسخير المساجد لذات الغرض، مشيرا في هذا الصدد أن وزارة الأوقاف وزعت، على منابر مساجد الحسيمة يوم 26 ماي 2017، خطبة حول الفتنة ونعمة الأمن والأمان، وأنه جرى استغلال استنكار ناصر الزفزافي لمضمون تلك الخطبة داخل مسجد ديور الملك لشن حملة اعتقالات عشوائية في صفوف المواطنين. وهي اعتقالات لازالت مستمرة إلى حدود الآن وبشكل مناف للقانون، موضحا البيان نفسه أن هذه الاعتقالات شملت حتى الأطفال الأحداث الذين وصل عددهم 42 طفلا، ووصل عدد المعتقلين إلى ما يفوق 700 معتقلا، منهم 16 معتقلا من الناظور والدريوش وأكثر من 200 شخص من المتابعين في حالة سراح مؤقت، بالإضافات إلى العشرات من الأشخاص الذين تم استدعاءهم إلى مخافر الشرطة والدرك الملكي لتوقيع الالتزام بعدم المشاركة في الاحتجاجات، على حد تعبير البيان.
واستطرد المصدر نفسه، بعد تساؤله عن من دفع الوضع لدائرة التوتر، بالإشارة إلى أن تدخلات القوات الأمنية اتسمت بغياب مبدأ التناسب، حيث استعملت فيها الغازات المسيلة للدموع بشكل مفرط في أحياء سكنية تعرف كثافة سكانية كبيرة ( حي سيدي عابد، وسط المدينة، دهار مسعود، مارموشا، المنزه …)، وكذا بالقرب من المستشفى الإقليمي بالحسيمة، في خرق سافر لكل المقتضيات والمعايير. كما أن المكلفين بإنفاذ القانون وجهوا قذائف الغازات المسيلة للدموع في مستويات قابلة لإصابة المواطنين بشكل مباشر، وحالة عماد العتابي وعبد الحفيظ الحدادي أنموذجا.
وفي الأخير، تسأل بيان الجمعية ، بالقول “نود أن نتساءل مع المندوب الوزاري: هل حقا لم تستعمل قوات الأمن ولو رصاصة واحدة كما ادعى التقرير على لسان وزير حقوق الإنسان السيد مصطفى الرميد؟ وما حقيقة مقتل عماد العتابي وتصريح شهود عيان بسماعهم لصوت الرصاص خلال مسيرة 20 يوليوز في محيط المكان الذي توفي فيه عماد؟ وما حقيقة وجود محضر للضابطة القضائية فيه إقرار بإطلاق بعض العناصر الأمنية النار في الهواء للضرورة الأمنية؟ ولماذا لم يتم الكشف إلى الآن عن مضمون التحقيق في هذا الحادث؟”.
مؤكدا البيان نفسه، ضمن خلاصاته الأخيرة، إيمانه القوي بأهمية ما قد يتحقق عبر ترافع مختلف الفاعلين الحقوقيين وهيئة الدفاع والمهتمين بملف حراك الريف، منبها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى ضرورة الالتزام بالموضوعية وبالروح الحقوقية في تقريره المنتظر، “وذلك عبر تضمينه كل الحقائق والأحداث والخروقات كما رصدتها آلية القرب الممثلة باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالحسيمة والناظور، كما نطالبه بالإفراج عن التقرير الطبي حول تعذيب معتقلي حراك الريف السياسيين” وفق البيان ذاته.