عبد الرحيم بوعيدة: هذا الوطن تفصله سنوات ضوئية عن ترسيخ قواعد ديمقراطية حقيقية
وأنا أقرأ خبر انتقالي من حزب لآخر جديد، شعرتُ بأن هذا الوطن تفصله سنوات ضوئية عن ترسيخ قواعد ديمقراطية حقيقية، لذا لا غرابة أن يتحول خبر تغيير حزب بآخر شبيها بتغيير حفاظات الأطفال …
.. أعترف أني لست من هواة تغيير الألوان، بل أكاد أجزم يقينا أني لا أحب منها سوى الأبيض والأسود وبعدهما أصاب بعمى الألوان، لكن في السياسة وفي هذا الوطن بالذات ألوان كثيرة تشبه “ألوان الطيف” متاحة بقوة القانون، لذا لا يجد السياسيون غضاضة في تغيير الألوان كما تغير الجوارب حفاظا على البلقنة، ففي السياسة الضرورات تبيح المحظورات…
عندما ترشحنَا أول مرة بحزب “الكتاب” كان ذلك اختياراً لا دخل لأحد به نظرا لتوافق أدبيات هذا الحزب مع جزء من قناعاتنا وثقافتنا، لكن للأسف في وطني وفي وجهتي بالضبط، مطلوب منا في الانتخابات أشياء كثيرة لا توافق تلك الكتب التي علمتنا كل هذه القيم والمبادئ، لذا سقط الكتاب أمام قوة الرأسمال وأدركت حينها أن الطريق في هذا الوطن نحو البناء الحقيقي لازال شاقا وطويلا…
في الصحراء عائلات تتوارث المجالس والمصالح تدور في فلك السلطة، تنفذ وتوزع الفتات على المواطنين وتعود عند كل استحقاق بنفس المنطق ونفس الوسيلة مستغلة فقر وجهل الناس في جهات ترفع نسب المشاركة في كل الاستحقاقات ومعدل تنميتها في تراجع دائم..
..في ثان تجربة، كان اختيار الحزب عائليا في شق منه وفي شق ثان الغاية تبرر الوسيلة، وقد حققنا ما عجزنا عنه في التجربة الأولى، لكن هل تغيرت القناعات أو القيم ؟؟
.. أعترف أن هذا الحزب الذي ترشحت بلونه هو جزء من ذاكرة طفولة.. نشأ وترعرع في بيتنا في القصابي أيام المرحوم الدَاي وَلد سِيدي بَابَا، وأعترف أيضا أنني حين بدأت في استيعاب الأمور لم أقاسمه يوماً لا مشروعا ولا برنامج، كان فقط واجبا عائليا نؤديه على مضض..
اليوم هناك من يعطينا دروسا في الدفاع عن هذا الحزب وكأنه جزء من ذاكرة المغاربة وهو ملتحق جديد أمطرت به السماء .. حزب الأحرار هو جزء من واقع سياسي لوطن تصنع فيه الأحزاب كما تصنع معلبات الحليب ومشتقاته، أحزاب توظف في سياق تاريخي وسياسي لغرض معين قد تموت وقد تستمر لكنها تظل بلا ملامح ولا طعم ولا لون…
وحتى نكون عادلين في نقدنا، نقول أن الحالة لا تقتصر على هذا الحزب فقط بل امتدت لأحزاب أخرى يدرك جيدا المغاربة أين وكيف صنعت ولنا في التاريخ الحديث تجربة لازالت تبحث عن شرعية الاستمرار وتتبرأ من طريقة الولادة..
.. الأحزاب هي جزء من ذاكرة تاريخية لها مناضلين وتراكم معرفي ورصيد في النضال وفي السجون، واليوم تغير كل شيء كما تغير الوطن وبدل إن يكتب مثقف البيان الإيديولوجي للحزب أصبح يكتبه مول الشكارة..
.. لذا كم أصاب بالدهشة حين أستمع لخطابات بعض زعماء الأحزاب السياسية عندما يخاطبون الحضور بإسم المناضلين مع أنهم مجرد منتسبين في لحظة مصلحة قد تستمر وقد تتوقف..
.. وتزداد دهشتي أكثر حين أتساءل ضد من يناضلون ؟؟ وهم جزء من هذا الواقع السياسي الذي أنتج كل هذه الأعطاب، فهل يناضلون ضد أنفسهم؟!
.. النضال لم يكن يوما داخل فنادق خمس نجوم ولا في الصالات المكيفة، فالمناضلون في الماضي كانوا يجتمعون على فكرة أو مشروع، أما اليوم فصاروا يجتمعون عند “التريتور” جامع اللذات والجماعات الذي لا يتحدث عنه أي إعلام مع أنه هو من حشد الناس، أما خطابات الزعماء فهي مجرد كلام..
.. اليوم عند عودة نقاش سابق لأوانه عن الوجهة القادمة أقول بكل صراحة و ثقة أن الأمر أيضا لن يكون اختيارا مجرداً من الواقع، ففي تجربتنا في جهة كلميم مواعظ ودروس ستكون موجها حقيقيا نحو الحزب الذي يتفاعل ويحمي المنتمين إليه من كل هذه الانتقالات المفروضة..