اليوم تبدأ أولى جلسات محاكمة الراضي…وفي السياق سؤال المغرب إلى أين؟
اليوم 2 من يناير 2020 ستنطلق أولى جلسات محاكمة الصحافي عمر الراضي، والتهمة جاهزة ومعدة ولها علاقة بتدوينة سبق أن دبجها الراضي استنكارا لحجم السنوات التي وزعت بسخاء من طرف القضاء المغربي في حق قادة حراك الريف، لتكون تلك الأحكام الثقيلة رسالة تخويف وقتل لإجهاض أية إمكانية لنهوض مجتمعي ينشد العدالة والحرية والكرامة بكل وضوح وبلا أدنى تردد.
إن حراك الريف طرح إشكاية عميقة وجوهرية على المسار السياسي للمغرب، وطرح بوضوح عبثية قواعد وهندسة اللعبة السياسية فيه، ووضع فعليا وحقيقة سيستام الحكم اليوم، كما الأمس أمام حقيقته، ولأنه حراك عميق ويسجل لبداية مرحلة سياسية جديدة من حيث الخطاب وآليات التعبير السياسي السلمي والحضاري، فقد كان رد فعل لكثير وكثيرات من المغاربة كبيرا وواسعا ضد تلك الأحكام، لقد استشعر هؤلاء المغاربة بتلك الأحكام هول أن يعود المغرب بعد كل الأماني وكل ما أحسوه مبادرات من الدولة ومن مربع السلطة الحاكمة إشارات أن لا يتكرر ماضي الانتهاكات لحقوق الانسان في بداية “عهذهم”، والراضي كل ما فعله، أنه حول غضب وصدمة كل هؤلاء تعبيرا كتابيا وبكل اتزان وتعقل.
تقديري أنه، وفي سياق اعتقال الراضي، وقرار متابعته اليوم، الذي تحت ضغط رائع ودال جرى إطلاق سراحه المؤقت،أنه يجري في وضع كنا سنطالب لشرح الموقف مثلا من واحدة مما يقترحها النظام السياسي حلا، اللجنة الخاصة لنموذج تنموي جديد، كنا سنكون أمام مجهود لنبين أن الأمر يتعلق بنوع من تصدير ادعائي اشهاري شبيه بذلك الذي حدث في أول عهد محمد السادس والتقرير الخمسيني، لكن اعتقال الصحافي عمر الراضي، الذي يتحول اليوم لرمز يؤكد بشكل ملموس أن الإرادة الفعلية القائمة هي في الانتصار للسلطوية ، بل الأكثر نحن قريبين من نزوع يقربنا أكثر لديكتاتورية جاهلة وفي أكثر شراستها لمواجهة ميل مجتمعي، وأن مقترح لجنة خاصة لبلورة مشروع تنموي جديد مجرد لعب على الوقت.
إن حراك الريف وغيره من التعبيرات التي تطفو اليوم، تطرح فعليا وواقعيا، أسئلة عميقة وجوهرية وغير مسبوقة حول العملية السياسية واللعبة السياسية والمسلسل السياسي والهامش التشريعي وللديمقراطية دقة دقة، ولاستراتيجية النضال الديمقراطي نفسها..دون أن يكون هذا الإقرار منا أننا من دعاة خيارا أخر غير الديمقراطية، وهو ما تؤكد عليه كل الحراكات الشعبية المدنية السلمية، وبإصرار منها ، لكنها بنفس الاصرار على مدخل الديمقراطية، تصر على طرح سؤالها على المشهد السياسي الحزبي بجرأة عن معناه ودلالته، وهي نفسها التي بدون تردد وصفت الأحزاب كلها بدكاكين، وهو ما يطرح في نظري إشكالا عميقا يفرض التأمل،,
كل الدي يلخص جرأة الراضي على كل المستويات بما فيها المستوى المهني له كصحافي، وكصحافي مبدئي، أنه استنكر بشدة الأحكام التي صدرت في حق نشطاء حراك الريف، واستنكر عبر ذلك تعامل النظام السياسي مع حراك الريف، الذي وجه بشدة لأنه يعني في البدء والمنتهى، باركة من تفلية، وباركة من الاعتقاد أن ديمقراطية الواجهة التي تجمل نظام سياسي سلطوي عتيق، يمكن أن توقف ميلا مجتمعيا لتصحيح مسار سياسي عمر لأكثر من 60 سنة.، وأن إمكانية الديمقراطية بدون تكلفة فعلية يؤديها اجتماعيا السراق والفاسدين وممن استفادوا من غياب الديمقراطية ليراكموا ثروات تفوق الخيال، وليستولوا على البحر والسماء والأرض، واليوم قرروا أن يحولوا البلد لسجن كبير، يعتقل فيه كل من يعارضهم…. وهم اليوم ليسوا فقط يريدون أن يسجلوا أنهم “منتصرون”، هم يريدون أن يوقفوا أية معارضة تجاههم…ويريدون صحافة على المقاس، وتعبير على المقاس ومعارضة على المقاس، وليس لهم أية رغبة في مهنية صحافية تحقيقية تفضحهم بالوقائع والأرقام وتتبث أنهم سراق مال عام، بل سراق طموح مجتمعي يشرئب للحرية والعدالة والكرامة…
في الجوهر، محاكمة عمر الراضي اليوم، تبرز بما لايدع مجالا للشك أننا في لحظة مفصلية في التاريخ السياسي للمغرب، في لحظة مفصلية لأننا أمام تعبيرات مجتمعية تفيض ولا يستطيع المشهد السياسي ولا الحزبي ولا كل العناوين أن تعطيها عنوانا، وعمر الراضي قوته، أنه عبر بصدق عن هذه الإشكالية، مفارقة المشهد السياسي كما يروج له المخزن وأدواته الإعلامية، تتواجه مع حيوية حقل سياسي ومجتمعي يصنع بتعبيراته وحيوته مأزقا فعليا لذاته المشهد وفيترينة ديمقراطية الواجهة للمخزن.
وفيما يشبه الخلاصة، ينتصب السؤال في العمق على : هل نأمل أن يستوعب الديمقراطيون المغاربة الدرس،و هل سيتداعون كما تقتضي الحكمة لقراءة مسار التجربة السياسية المغربية، بتواضع لكن بجرأة، وهل سيكونون فعليا في مستوى هذا الفيض التعبيري لمجتمع مقهور ينتح تعبراته بشكل غير مسبوق وبجرأة؟؟.