يعيش الفرنسيون منذ أسبوعين في الحجر الصحي الذي فرضته السلطات للحد من تفشي وباء كورونا في البلاد حيث توفي نحو ألفي شخص في آخر حصيلة رسمية أُعلنت الجمعة. وأمام هذا الوضع الاستثنائي الذي وجد ملايين الأشخاص أنفسهم فيه، تحاول جمعيات ومنظمات فرنسية تقديم نصائح وإرشادات لتفادي “الانفجار” داخل البيت وفقدان الأهل لأعصابهم.
المجموعة النسوية “#نو_توت” (نحن كلّنا) الفرنسية طرحت مبادرة للحماية من آثار هذا الوضع الاستثنائي وتشير إلى أن “الحجر مناسبة لتمضية الكثير من الوقت مع الأطفال. لكن عندما نعمل من منازلنا عن بعد وتكون مساحة المنزل صغيرة أونكون مرهقين، يمكن أن تتضاعف التوترات”.
تقول الطبيبة النفسية مويرا ميكولاتشاك “نعم قد تودون رمي الأطفال من النوافذ، وهذا طبيعي. لكن ما هو غير طبيعي هو أن تقدموا على ذلك”.
ودعت الأهل إلى “التخلي عن دور الرجل أو المرأة الخارقة” لتخفيف الضغط عن أنفسهم. وبهدف مساعدة الأهل، أنشأت “#نو_توت” 20 مجموعة على تطبيق “واتساب” وتضمّ حتى الآن أكثر من أربعة آلاف مستخدم. وتقدم المجموعة من خلالها النصائح التعليمية والتوجيهات “عند الشعور بأن الضغط يتزايد اعزلوا أنفسكم حتى ولو في الحمّام. ولكن أيضا يمكن مشاهدة الفيديوهات المسلية مع الأطفال أو برمجة بعض الوقت بعيدا عنهم بالكامل من خلال الإغلاق على أنفسكم في غرفة، فيما يقوم الشريك الآخر برعاية الأطفال”.
وتكمن الفكرة في المساعدة على تجنب “الكلمات” و”الأفعال” التي قد “تضر أو تؤذي”، خصوصا أننا “قد نندم على بعض سلوكياتنا لاحقا”.
التأمل
تطيق ساره هذه التعليمات لتبقى مسترخية، وهي أم لثلاثة أطفال (7 سنوات و4 سنوات وشهرين).
وهي تقول في شهادة نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية “أمس أغلقت على نفسي لمدة ساعة في الغرفة من دون التصاق الأطفال بي وقمت بجلسة تأمل من خلال الإنستاغرام”.
ومع إنهاء فرنسا أسبوعها الأول من الحجر المنزلي التام، تقول ساره “الأمر يسير على ما يرام، لكنه مقلق ومحبط على المدى الطويل”.
لا شك في أن الأمر مرهق للأهل لكنه كذلك بالنسبة إلى الأطفال أيضا. يقول إستيبان المحجوز مع أهله في رومانفيل إحدى ضواحي باريس “إنها حجة لألعب في غرفة المعيشة فيما والدتي تعمل”.
وتروي فرجيني وهي مديرة مصرف وأم لصبيين (11 و6 سنوات) في أرغنتويل في شمال غرب العاصمة “علي أن أكون أما ومعلمة ومديرة وطاهية وعاملة تنظيف… ذلك كثير”.
وتطالب مويرا ميكولاتشاك من جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا بعدم الاستهانة بالموضوع حتى ولو كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة إلى معظم الآباء.
وخصصت جامعة لوفان صفحة خاصة على موقعها على الإنترنت مليئة بالنصائح حول “طريقة تنظيم يوم الأطفال”.
ففي لحظات محددة “اتركوهم لوحدهم”، أيضا كونوا مرنين و”لا تترددوا في تليين بعض القواعد”. وتتابع “يمكننا أن نتوقع زيادة الإرهاق لدى الأهل” وهو ما يثير المخاوف من “حالات إهمال أو عنف”.
ترك العمل
وهذا القلق نقلته أيضا وزارة الدولة لشؤون الطفولة في فرنسا، إذ حذرت من “زيادة أخطار سوء المعاملة بسبب الظرف الحالي الذي أجبر الموظفين على العمل من منازلهم”.
وتقول ميكولاتشاك “يجد الآباء أنفسهم آباء في المنزل من دون أن يرغبوا في ذلك، ومن المعروف أن الوالدين في المنزل هم أكثر عرضة للإرهاق وفقا للدراسات”. وتضيف “العائلات الغربية ليست معتادة على العيش مع بعضها البعض”. وتتابع أنه في الفترة الحالية “لا يمكن اللجوء إلى الأجداد أو الذهاب إلى المطعم” لتخفيف الضغط.
والحل الذي توصل إليه إتيان وهو والد لطفلتين تبلغان 10 و6 سنوات، هو ترك العمل. ويقول “في البداية وفي ظل إغلاق المدارس وضعت نفسي تحت الضغط ولم أكن أعرف كيف أقوم بكل ذلك خصوصا أن الأطفال لم يتركوا لي الوقت. لاحقا فهمت، تركت كل مشاريعي المهنية وباتت الأمور أفضل بكثير”.