
عبد الغني حيدان يكتب.. فسحة تأملات في معنى بناء وحدة اليسار المغربي في زمن كورونا (01)
تحت عنوان “فسحة تاملات في معنى بناء وحدة اليسار المغربي في زمن الكورونا… آعتبارات ومقترحات مطروحة للنقاش..” كتب المناضل عبد الغني حيدان مقالا مطولا، ندرج نصه في “دابا بريس.كوم” في جزئين، في ما يلي الجزء الأول…
وحدة اليسار ضرورة سياسية وفكرية تخص كل مكونات الصف الوطني الديمقراطي التقدمي، ونقاش بنائها قديم جديد، والآن وليس غدا، تقتضي مستويات النقاش التقييم الموضوعي العميق، وإعمال سلاح النقد الواعي والمسؤول القادر على تجاوز توصيف وسرد أعطاب اليسار وتجاوز شيطنة الاختلاف والتقديرات السياسية للمناضلين، والقادر على تخطي النقد النرجسي وجلد الذات، سواء أكان صادرا عن تنظيمات اليسار أو عن مناضليه، والنقد النرجسي لا يليق بحركات اليسار مادامت هي التعبير السياسي الحقيقي عن آمال وطموحات ومصالح الجماهير وقواتها الشعبية.. إذن ماهي منطلقات وحدة اليسار؟ هل يمكن تحقيق هذه الوحدة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد أماني وتطلعات حالمة؟ ماهي الروافد السياسية والفكرية القمينة بتغذية هذه الوحدة وتطورها إلى أبعد مدى؟ ومن له المصلحة السياسية في عرقلة وحدة اليسار؟….
لا شك أن بناء وحدة اليسار ظل الهاجس المأمول لمكونات الصف الوطني الديمقراطي التقدمي، وهي تستحضر الرعيل الأول من المناضلين الذين طبعوا مسيرتهم النضالية الفذة بممارساتهم الفكرية والسياسية والميدانية لبلوغ العمل الوحدوي كواحد من أهم أهداف اليسار في تحقيق الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وفي اعتقادنا أن الحركة التقدمية المغربية راكمت بما يكفي من الخبرة والتجربة لتسوية مداخل الوحدة وتعزيز أسس العمل الوحدوي، رغم عوامل الاختلالات التنظيمية والتدبيرية لأجهزتها التقريرية والتنفيذية والقاعدية، وما أعقب ذلك من تصدعات وانشقاقات عمودية في البنيان التنظيمي لأحزاب اليسار واشتداد واقع الخلافات السياسية حول جملة من القضايا المركزية بما فيها قضايا لم تخرج عن دائرة الشخصنة والتمحور حولها وتكريس طقوسية الأفكار وشعاراتها والتلذذ بها بما يفي بالرضى عن الذات، مما عمق من تأجيج النزاعات التنظيمية داخل المكون الواحد، وتصريف عدد من القرارات الحزبية والسياسية خارج هياكلها، وبما اتسم به المشهد الحزبي والسياسي من اختراقات لأفكار مناوئة لذات أحزاب اليسار في مطالبتها بالديمقراطية الشاملة الحقة، واستهداف قراراتها في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة.
هذا الوضع السياسي لقوى اليسار، لا محالة استمد مفعوله من واقع المجتمع المغربي الذي مازال محكوما بثقافة القرابة والعصبة وتمثل النموذج الأبوي في عدد من مواقع أجهزة الدولة، وفي عدد من المواقع الحزبية والنقابية والجمعوية والجماهيرية.
إلا أنه بالرغم من الإكراهات الذاتية والموضوعية، فاليسار المغربي كان ولازال مؤمنا باختياره السياسي الوطني التحرري والديمقراطي، وقناعته الفكرية كقاعدة اساسية في التحرر والنضال الوطني والطبقي من أجل الكرامة والديمقراطية والاشتراكية، وقدم بذلك تضحيات جسام لم يقدمها أي كيان سياسي من قبل ومن بعد…
في سياق هذا التراكم النضالي بما له وما عليه، صاغت مكونات اليسار المغربي رزنامة من الأهداف اتجهت رأسا صوب العمل الوحدوي بغية تحقيق ديناميته الشاملة تمثلت في منطلق المنعطف النوعي لتجمع اليسار، سبقته مبادرات عملية جديرة في هذا الاتجاه لليسار الاشتراكي الموحد (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي/حركة الديمقراطيين المستقلين/الحركة من أجل الديمقراطية وفعاليات أخرى والوفاء للديمقراطية)، ثم منطلق تحالف اليسار تمخض عنه انبعاث فدرالية اليسار، التي استوت على مقدمات سياسية وتنظيمية عملية، مرتكزها صياغة أرضية سياسية، وأخرى تنظيمية، أفضت إلى هيكلة وطنية وجهوية ومحلية لأجهزتها التقريرية والتنفيذية، رغم ما أعقب ذلك من تلكأ في الأداء السياسي وترقب وتوجس وانتظارية ومن هواجس سياسية في تصريف القرارات، تقر بواقع تقوقع الذات الحزبية والتخوف المفرط من مآلات العمل الوحدوي وسياقات الوحدة، وهذا ما تجلى واضحا في يقظة مكونات فدرالية اليسار الموسمية وغير المبررة إبان الانتخابات واعتمال الصراعات الخفية والعلنية حول وكلاء اللائحة داخل الحزب الواحد، وحدة التنافس على وكلاء اللائحة بين مكونات الفدرالية في الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، وتفشي التقريع السياسي، وتجلي مظاهر الحلقية، والتبخيس، واستقدام وافدين جدد، دون إجراء مسطرة الانخراط النضالي، وفق القوانين الداخلية لهذه الأحزاب، وتمدد الارتجالية في التعاطي مع فلسفة الانتخابات، وميكانزماتها الداخلية، من حيث التوقيت، ومن حيث التذبير، لذلك لم تقم مكونات اليسار، في أي محطة انتخابية، بإعطاء مسافة فاصلة للتهيييء والإنجاز المبكر، لتعبئة الجماهير الشعبية، رغم ما لمكونات الفدرالية من زخم شعبي، وتنظيمي نقابي، وجمعوي، وجماهيري ونخبوي، وهذه من المفارقات العجيبة والغريبة.
وإذا ما اعتبرنا أن هذا الوضع طبيعي جدا، بحكم أن مكونات فدرالية اليسار افتقدت لآليات تشكيل ثقل يساري في المعترك الانتخابي سياسيا وميدانيا ولوجستيكيا، مع تسجيل للتفاوت الزمني لكل مكون في مشاركته الانتخابية، فإن عددا من مناضلينا ظلوا يحملون نفس التفسير السياسي المناهض للعملية الانتخابية وجدانيا وفكريا رغم مشاركتهم الواقعية في الانتخابات، مرجحين كفة الحنين للمقاطعة، ومطبقين بذلك المثل المأثور “أخوك مكره لا بطل” هذا التصور كانت له مسبباته الموضوعية، أساس هذه المسببات، تغول المخزن السياسي في تزوير الإرادة الشعبية وقرارها السياسي والدستوري عبر صناديق الاقتراع منذ عقود عبر الزمان السياسي للانتخابات الجماعية والتشريعية، إضافة لتقلص مساحة ثقافة سياسية حزبية لمكونات اليسار وبتفاوت، في خوض مختلف أشكال الصراع السياسي والأيديولوجي والثقافي والتنظيمي من أجل تأمين انتقال ديمقراطي حقيقي في الحقل الجماهيري والسياسي وعبر صناديق الاقتراع يفتح للقوى الشعبية والطبقة العاملة المغربية آفاق الوعي بمسؤولياتها التاريخية في صراعها السياسي والاقتصادية ضد الاستغلال والتبعية والاستبداد والفساد. الا أن لحركة 20 فبراير دور أساسي في إعادة حيوية التفاعل السياسي والعملي بين مكونات فدرالية اليسار في الساحة الجماهيرية مما أعطى نفسا في شطب بعض المعيقات وإزالة بعض الصور الرمادية عن واقع مكونات فدرالية اليسار..
وإذا كانت هناك من صور رمادية في الأداء السياسي والفكري والتنظيمي لكل مكونات اليسار المغربي عبر محطات مفصلية في تاريخها النضالي، وتراجعها البين لصالح قوى يمينية ورجعية في الساحة السياسية والفكرية والجماهيرية، فإن مكونات فدرالية اليسار تلمست طريق إعادة الاعتبار لوحدة اليسار بإطلاقها لدينامية سلسلة ندوات ولقاءات ناقشت مختلف القضايا المتعلقة بوحدة اليسار وآفاقها عبر مداخل العمل الوحدوي والاندماج ومدى نضوج شروط كل من العمل الوحدوي وقابلية الاندماج كألية من آليات بناء وحدة اليسار، هذا المسار النضالي مكن من المساهمة في مد الجسور لسياقات العمل الوحدوي رغم مساحة الاختلافات في التقديرات الفكرية والسياسية، وأشر على توسيع حقل النقاش بما يمتد لاستيعاب كل القضايا المرتبطة بالاختيارات الأيديولوجية والسياسية لمكونات فدرالية اليسار حتى يستوي هيكل الاندماج على أرضية سياسية وفكرية رفيعتين لترشيد الاختلاف وتدبير الخلاف، وبما يعزز مكانة الاندماج والعمل الوحدوي على قاعدة التحرير والديمقراطية والاشتراكية كنموذجين متميزين مفضيين لبناء الحزب الاشتراكي الكبير…
(يتبع)