في سياقات التعليم عن بعد: مشاريع برامج إصلاحية جديدة لا تنتهي للانتقال إلى أخرى بدون تقييمها
كشفت راهنية التعليم عن بعد خلال فترة ازمة كورونا وتداعياتها عن عدة قضايا في قطاع التعليم المدرسي الذي يعرف في كل مكوناته اعطابا لا حد لها ،منها المورث ومنها الجديد مما يستدعي طرح اسئلة منهجية منها:
• ما هي نوعية النماذج القيمية التي تنتج المدرسة اليوم ؟
• هل وظيفة المدرسة اليوم هي التحرر والتربية على حقوق الانسان؟
• و هل فضاء المدرسة مؤهل معرفيا وتربويا وتعليميا ليحتضن و ينتج قيم
المواطنة و السلوك الديمقراطي؟
لاشك ان واضعي السياسة التعليمية و البرامج الإصلاحية قد طرحوا هذه الاسئلة وغيرها لكن الاسئلة مهما بدت متسقة ومبنية وفق تصور منهجي فإنها ستظل قاصرة عن بلوغ الغايات والاهداف التعلمية والتربية ما لم تحين وتفعل على ارض الممارسة في الواقع وتقوم على ضوء المناهج التربوية والتعليمية؟
الكل يعتقد أن التعليم مدخل أساسي ومهم للتنمية ، حتى ذلك الإنسان البسيط في وضعه الاقتصادي والتعليمي، يعتبر التعليم بالضرورة وسيلة لحياة أفضل، لكن أصحاب القرار السياسي يرون انه هو المختبر التجريبي للبحث في مكونات العملية التربوية ،لكم في المحصلة النهائية نستنج ان الإصلاحات كلفت خسائر عديدة وبمردودية ضعيفة …فالملايين من أموال دافعي الضرائب قد تبخرت سدى امام انظار العامة والخاصة .
هكذا تولد الإصلاحات سياسيا وتعلن عن فشلها سياسيا، والواقع التعليمي يبقى معلقا إلى أجل، لتبدأ مشاريع برامج إصلاحية جديدة للانتقال الى اخرى بدون تقييمها .
فالمشرفون على الإصلاح بعيدون كل البعد عن حقول التربية والتعليم لانهم يحتلون مواقع سامية ولا يستهدفون غير الاستفادة من الامتيازات والريع.
الكل يتحدث عن إصلاح التعليم، لكن لم نر من هذا الإصلاح إلا عمليات التقزيم والحذف و تغيير أسماء وأرقام المستويات بأسماء وأرقام أخرى. وابدال شعب ومسالك بأخرى وحذف مواد او مضاعفة عامل مادة اخرى ، ويعتبرون ذلك كله إصلاحا. مثلا: تسمية الجذع المشترك بالثانوي، حمل عدة أسماء، من الرابعة والخامسة وقس عليه الاولى ثانوي والثانية ثانوي، حتى صار الاستاذة عند بداية بعض المواسم يرتبكون في التصنيف والترقيم والتشعيب، كما ان أباء وامهات التلاميذ الذين بات اغلبهم لا يعرفون ما اذا كان ابناؤهم قد رسبوا او نجحوا …
أما حذف مواد وتقزيم ساعاتها فتلك مشكلة أخرى أصعب وأخطر من عمليةاستبدال الأسماء، مثلا حذفت مادة التاريخ والجغرافية من السنة الثانية بكالوريا علمي، هذا القرار لم يفسر إلا بشيء واحد هو انقراض أساتذة المادة الممارسين ورفض الحكومة توظيف حاملي الشواهد المعطلة، كذلك ظهر حذف آخر تمثل في مادة الفلسفة من اسنادها الى الجذوع المشتركة تارة وحذفها تارة اخرى او التقليل من عدد ساعاتها و الأفظع انها ترسم في نيابات وتلغى في نيابات اخرى .
لقد طال التقليص من الساعات في كل من الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض وهكذا يجدون الحل الاسهل باعتماد التفويج او حذفه بمبرر نقص الموارد البشرية وما هو الا سوء التخطيط والتدبير.
إنهم يختزلون الإصلاح في عمليات الحذف وتغيير الأسماء لمسمى واحد، فالكل ينادي بالإصلاح ولا أحد ربط الإصلاح بالمدرسة في علاقاتها المتعددة الأفقية والعمودية، فهناك جوانب جديرة بالإصلاح الفوري، لأن المدرسة أصبحت على عتبة الإنهيار لا تتحمل المزيد من الانتظار والتفكير والوقوف عند عملية التشخيص بل يجب مواجهة مشاكل المدرسة بجدية ومسؤولية وإرادة سياسية قبل فوات الأوان.
من المفروض ان تكون المدرسة جميلة بفضائها وتجهيزاتها وإدارتها كي تكون الممارسة التعليمية ذات جدوى ويجد المدرس والتلميذ معا فضاء للحوار والابداع والحب والاحترام والتضامن …بأنشطتها وفضائها ومحيطها المحروس.
ومن اوجه اختلال المرفق التعليمي سوء التنظيم الاداري فمدرسة تشتغل بطاقم إداري متكامل، و مدرسة يسيرها مدير وحارس عام فقط، وقد تستعين مدرسة اخرى بخدمات حراس الامن في تدبير شؤونها على خلاف البواب ايام زمان الذي كان يحفظ أوجه التلاميذ ويمنع الغرباء من الدخول إلى المؤسسة.
ومن تجليات الاعطاب التي لحقت المؤسسات التعليمية بالدار البيضاء:
قاعات بدون مقاعد او بطاولات مكسرة ،و سبورات مثقوبة، ومكاتب المدرسين مهترئة ، ومصابيع مطفأة او مسروقة وجدران بكتابات مسيئة للمدرس والتلميذ المجد ، أما المختبرات ومخازن التحضير والخرائط قد اختفت في مدارسنا بصفة قطعية لا رجعة فيها، فأصبحت المواد تستبدل الدعامات البيداغوجية بالشرح الشفاهي الامر الذي يفرض عليها الالقاء بدل الحوار والاستنساخ من جيبه مادامت جل المؤسسات بلا الات نسخ في خدمة الاستاذ والتلميذ كل هذا دون الحديث عن غياب المختبرات وان وجدت فهي تفتقر الى اقل الوسائل التقنية المخبرية الضرورية في الدرس العلمي التطبيقي .
ناهيك عن تقهقر الوضح الرياضي في المؤسسات التعليمية التي كانت الى زمن غير بعيد تخرج اطالا على المستوى الوطني بل الدولي احيانا.
اما المرافق الصحية والبيئية فيمكن تسميتها اختصارا واحتراما لمقامكم بالمرافق
المرضية ..هذه صور مختصرة لواقع مدرستنا المغربية العمومية تساهم بشكل او اخر في انتاج مشكلات عديدة تعوق الدرس التعليمي وتدمر الاواصر التربوية المطلوبة في الفضاء المدرسي ومنها :
• علاقة المدرس بالتلاميذ صارت متوترة تقوم على العنف المادي والرمزي وتتازم اكثر الى حد بلوغ الجنايات احيانا اثناء حراسة الاقسام الاشهادية
• علاقة المدرس بالإدارة التربوية تقوم على الحذر والترصد والانتقام والولاء في الغالب الإدارة التربوية والنيابة والأكاديمية، في الغالب تحاول ابعاد تبعات كل هذه الاعطاب والمشاكل عنها والصاقها بالمدرس في الغالب إنهم يتملصون من
المسؤولية،
• علاقة المدرسة بمحيطها، نعني بذلك الشوارع والأزقة المحيطة بها ، صارت غير أمنة في الغالب ومرتعا لكل اشكال الجنوح
• اما جمعيات الاباء وفيدراليتها فلنا عودة اليها لأنها اثبتت انها جزء من المشكل وليست جزءا من الحل .
ولنا عودة ايضا الى بؤرة وبائية اخرى تتعلق بالمؤسسات الخصوصية. وطبعا قد يقول قائل انك تهول الامور …ولكن من يجرؤ على تكذيب مؤسسات الافتحاص الوطنية الداخلية ومعاهد الاحصاء الخارجية التي صارت ترتب تعليمنا في ذيل القائمة في التصنيف الدولي.