السوق السوداء للثقافة..
حين نقول لهم ليس هناك رواية تاريخية إلا بقدر ترهين التاريخ هروبا من قمع السلطة وتحايلا على الرقابة، ليصبح التاريخ مجرد حصان طروادة، لكنه يعبر عن قضايا لا تمسح آلة الرقابة والقمع بالتطرق إليها.... يلعنون كما يلعنون صلاح الدين الأيوبي ويعيد تدوير ضغينة المستشرقين... فأكبر فتوحاتهم أن مكة ليست بمكة وأن الأقصى مجرد مسجد على الطريق وأن تاريخينا هو تاريخ السبي والغلمان والبداوة والاغتيال
إنهم يضطربون، يخافون.. يحاصرون… يحظرون… يكيدون…
يتكتلون في جماعات… يتقاسمون الأدوار…
بعضهم في مواقع جامعية وأكاديمية مهمة…
بعضهم في مؤسسات ثقافية مقرصنة…
بعضهم ظهير لبعضهم…
فيهم الناقد الذي أجر قلمه لمنصات التفاهة من أجل ريادة مزيفة…
فيهم الكاتب الذي له مريدون من طلبته ومن ذويه ومن زملائه….
ومن عجائب هذا الزمن فلكل قبيلة صار كاتب محتفى به في دوار على الطريق…
يا عبجبا….! فحتى الشعر فسفطوه… واحتفلوا به… بأموال الشعب… ولكل دوره…فخيمة الشعر لا تقدم لبن الدار لغير أهل البيت
وفيهم من له القدرة على الطبع والنشر وشراء ما يطبع… كل شيء على نفقته…. وكل دار نشر تفتح له بوابتها…. لأنها تربح من كتابه قبل توزيعه….
وفيهم من أخذ الثمن فيما بعد من وراء البحر بعدما خدم خدمات أكاديمية وأجاز ما لايجوز فقط لأنه يعلم كيف يستثمر منصبه الأكاديمي لصناعة نخبة مزيفة لكنها وفية… وتعرف متى ترد الدين….
فلا غرابة أن نجدهم في لجن التحكيم دورا…. ومتوجين دورا آخر….
كل شيء منهم وفيهم… فيهم الناقد والمبدع والمحاضر والمكرِّم.. والمكرَّم…
كأنها مافيا ثقافية عربية…. تمتد من الماء إلى الماء…
إنهم جزء من استراتجية صناعة الوهم وتتفيه الذوق وتخدير المجتمع وعزل النص الإبداعي عن قضايا المجتمع وتحويله إلى عرض فولكوري يمتع شهوة كولونيانية نوستالجية..
وحين نقول إنهم جبناء بلا قضية…
وكتاب بلا أفق… غير أفق المال والمواخير المقنعة…
يتكتلون ويمارسون البغاء الثقافي…
الأدب الحقيقي محاصر… وأدب الملاهي والمراقص والبهتان و المعاول مقدم حد الغثيان…
أقلام مدادها من عرق المواخير السرية من تركيا إلى التايلاند…
ولأن بعض الدور الثقافية أدركت أن الكتاب غدا مجرد صورة سيلفي… وخرج للوجود مقتنو الروايات ذات الأسماء الغربية….
فقد تجددت بلا حاجة عملية الترجمة لأدب متجاوز…
الهدف إرضاء من يلتقطون صورا مع كتب مترجمة…
فأنعشوا دوستفسوكي وتولستوي وغورغي وبالزاك وزولا وفيكتور هيكو وهيمغواي و….و….
لأنها كتب تصلح لأخذ صورة سيلفي….
للتباهي والتماهي…
لأنها غدت على صفحات الفايسبوك… قابلة للفخر كشواء على الطريق… وأو سلطات من عالم العجم…
الكتابة تحت الطلب ماكرة مسكونة بالجوائز والمنصات…
لهذا ابتعدت عن الشعوب وعن خط التماس مع الأنظمة…
واختارت أأمن طريق…
هربت نحو الماضي… فأصبنا بتخمة الماضي الفولكوري…
من ابن سينا إلى الأندلس المفقودة…
من هلوسات القبب إلى خواطر الطفولة….
وقد نقف على نصوص سرقت من أدب غربي قديم وتم إلباسها لباسا جديدا…. ومن الصعب كشف عورتها… لكن مفضوحة بكونها تصلح لكل زمان ومكان… بل هوية و لا بصمة محلية..
الكونية الأدبية محلية القضية…. عالمية التذوق والجمالية….
تكاد فلسطين تغيب إلا في روايات تكتب لترضي تيارا مضادا لقوى إقليمية…
ويكاد التطرف يكون قلب كل نص….
كل نص يتبرأ من الإسلاميين وينتصر للحريات والجندرة هو مشروع جائزة دولية….
كل نص يهرب من فلسطين هو نص غير مدان ولا حدود له..
استحضار المتنبي والمعتمد بن عباد وابن حزم والحواري والغلمان والغلاميات والرعب والخيال اللاعلمي أقرب الطرق للنشر والتتويج..
لا تكره إسرائيل…. ولا تقهر المثليين… ولا تكره السحاق… ولا تأخذ موقفا من التسلط والاستبداد والقهر شرقا وغربا…. السعر مضمون… والمشتري موجود..
على الأقل ضع مسافة بينك وبين الواقع العربي ..
بينك وبين الأنظمة العربية المستبدة…
لهذا أكثر المثقفين صامتون… لقد قبضوا الثمن… وهم يعرفون أنفسهم….
محاضرون… نقاد… رؤساء هيئات… متوجون…. شرعنوا التفاهة وبيننا وفي غفلة منا يدعون الطهرانية…
الرواية التاريخية حصان طروادة لكاتب جبان أو طامع في عطاء وكرم سلطان…
حين نقول لهم ليس هناك رواية تاريخية إلا بقدر ترهين التاريخ هروبا من قمع السلطة وتحايلا على الرقابة، ليصبح التاريخ مجرد حصان طروادة، لكنه يعبر عن قضايا لا تمسح آلة الرقابة والقمع بالتطرق إليها…. يلعنون كما يلعنون صلاح الدين الأيوبي ويعيدون تدوير ضغينة المستشرقين… فأكبر فتوحاتهم أن مكة ليست بمكة وأن الأقصى مجرد مسجد على الطريق وأن تاريخينا هو تاريخ السبي والغلمان والبداوة والاغتيال…
لقد أدركوا أن الغرب يعطي بلا حساب لمن يشعل النار في التاريخ العربي الإسلامي… لمن يحول اليقين إلى عجين ويطبل في الوقت نفسه لبنادق العسكر وهلوسات الغفر….
التهافت على المتن التاريخي بتزييفه أو تغريبه … انحدار قاس للخيال الإبداعي في تماسه مع الواقع المحرج… المكلف.. والمخيف، وتماه ماكر مع أدب يقول كل شيء ولا شيء… أدب يفرز موجة سردية يتعرى فيها الكاتب ليرقص كمسخ يبهر الغرب الثقافي.. ويقدم ورقة اعتماده للسلطة والقيم الغربية وفق معايير الجوائز الدولية… حيث تتم المقايضة المرة… تبرير الاحتلال أو على الأقل الصمت عنه …
الواقعية المرة غدت مكلفة.. ومعيقا للنجومية والوصول للمنصات…والاحتيال الأدبي… صنع صنفا من السرد يقفز من الحاضر ألى الماضي ومن الحاضر إلى المستقبل… ولا يتوقف في الحاضر إلا للرقص على محور العري الليلي..
الدفع بالرواية نحو التماهي مع الخذلان والشبقية والمثلية ولعق الحذاء الغربي بالانتصار للعقل الغربي حتى في صدمته الحضارية والقيمية وفي انحيازه لأنظمة القمع وللاحتلال الصهيوني … نتج عنه أدب سردي بلا هوية..
روايات يطلب أصحابها المجد واعتراف الغرب… بالتعري أمام الغرب وتحويل الكتابة إلى ناد ليلي حيث يلتقي العالم السفلي وتتفتح شهية السقوط في الوحل… وبين هذا وذاك… تهرب الرواية من واقعها الحقيقي ومن نبض المجتمع وقضايا الإنسان نحو التاريخ والتصوف والمماليك والجواري والحصون والقلاع والخصيان والغلمان ومعارك الروم والعربان مع نكهة من خيال مواز هجين في سجلاته اللغوية…
الموضة الجديدة… كن كما يريدون … نسخة عربية جميلة لغرب منافق لم يعد في حاجة إلى المستشرقين للتشكيك في كل يقين تاريخي… بعدما أفرز التهافت على المجد المزيف حطابين أدبيين يقتاتون من شجرة العروبة.
الهروب نحو التاريخ سرديا يجد مبرره في المجتمعات اللاديمقراطية، لكن بأقلام ذات رؤية وقضية، نلمس هذا التشجيع والترويج للرواية التاريخية اللاتاريخية، التي تتحول إلى فولكلور أو أدب ارستقراطي لغة ورؤية، في متون رواية تتنفس الجبن مقابل المنصات، والأنظمة الشمولية لا تتوقف عن دعم هذا النوع من الروايات التي تهرب من واقع شعوبها وقضايا أمتها، بالهروب للتاريخ… أو الاشتغال على تيمات ترضي الغرب والأنظمة الشمولية…. الإرهاب مثلا… والرواية الذاتية… الغارقة في الإيهام والاغتراب…حتى غدت الرواية… أقرب إلى الخاطرة، تقدم الحكم والأمثال لاحنة مربكة السجلات السوسيو- لسانية..
ليس عيبا أن نكتب داخل التاريخ وبه ومنه، لكن العيب أن نكتب روايات نصفها بالتاريخية، وهي لا تاريخية… فليس كل من كتب في زمن آخر، يكتب رواية تاريخية، حين يغدو المتن التاريخي خيارنا الوحيد، بلغته وأحلامه وطموحه ففي الأمر جانب من الجبن والهرولة للجوائز، وقصور في الخيال القادر على تناول الراهن الحارق… أو مجرد خوف مرهق للذات المبدعة…
الواقع والراهن صارا الفزاعة المخيفة لأدب الخذلان والانبطاح الراهن في السرد يتطلب شجاعة وزهدا عن الجوائز… واستقلالية القلم عن سلطة المال والسياسة… كيف تعيش الأمة كل هذا القهر والتسلط والتجهيل يموت الناس في السجون والزنازين والمنافي، وتلجم الألسنة عن التعبير الحر، وتنهب الثروات والمقدرات، ويستشري الريع والفساد السياسيين، والرواية العربية توجه بوصلتها نحو ماض شهواني جواني فولكلوري … بلغته الارستقراطية… كيف وكل هذا الموت والدم والدمار في فلسطين مثلا، والقتل والتفكيك والتنكيل والاضطهاد… كيف…كيف…
فقط الرواية الجبانة تجيد اللعب وفق المعادلات السياسية… كأن يأتي شاعر أو فقيه لغوي إلى الرواية مرورا بالسلطة ورموز السلطة ويخلط الأمور… ويروج لتحرير الرواية من الإيديولوجيا…. خالطا بين الرؤية والالتزام والاصطفاف لقضايا الشعوب بمكر والسياسوية الأدبية…
هذا حق يراد به باطل… هناك فرق أن تتحول الرواية إلى منبر سياسي أو بيان سياسي، وأن تكون في قلب هموم شعبها وقضاياهم… هذا تدليس على القراء.. بالخلط بين الإيدلوجيا والمثقف العضوي…. وهذا خطاب الموضة… ان يتحول المثقف إلى راع لرؤية تفصل الأدب عن قضايا مجتمعه… ولكي تظل أديبا عظيما ذا جمالية في التخطيب وفي الوقت نفسه ملتزما تترك النص يصنع القيم والمواقف خص” خصيتان” من النحاس…كما نقول هنا في المغرب… كناية عن التحدي والصمود والقدرة على المقاومة..
المستفيدون من ريع التتفيه الثقافي لا خيار له غير خدمة السيد المانح…. للأسف..
إنهم يكتبون…بمكر ودهاء.. ينتصرون تاريخيا للمانحين، فيصير أعداء وخصوم الجهة المانحة خصوما في الحكاية، وبذلك يكتبون تحت الطلب غير المعلن…لكن الكل متفق على قواعد اللعبة…. وينتصرون لغيرهم بدل الانتصار لقضايا الأمة….
الرواية غدت مثل خريطة سياسية، تقرؤها فتدرك سفارتها وعلمها وعملتها..
وانتعاش الترجمة وإعادة الترجمة. كما قلت.. هي عملية ماكرة ترضية لقراء زمن الصورة…يأخذون صورا مع روايات بالزاك وتولتسوي ودوستوفسكي وزولا وغارسيا ماركيز.و….و…
إنها الموضة…. ودور النشر غدت كشركة الأيفون…
هل من جبهة ثقافية توقف هذا العبث…؟
فالجبناء صامتون… لأنهم أخذوا الثمن في غفلة منا…