إليف شافاك تكتب: حينما يكون حزب أردوغان ذكورياً ومعادياً للمرأة
في مقاطعة هاتاي بجنوب تركيا، وهي واحدة من المدن التي تعرّضت لأكثر أشكال التّدمير قسوة خلال الزّلازل الأخيرة، أصبحت أليف ألتون، البالغة من العمر 25 عاماً والأمّ لطفلين، بلا مأوى بين ليلة وضحاها، مثل آلاف غيرها. وبالنّظر إلى عدم وجود مكان تذهب إليه، وافقت على اللجوء إلى منزل زوجها السّابق، بناءً على دعوة منه، على افتراض أنّ البقاء مع والد أطفالها سيكون أكثر أماناً من البقاء بمفردها في خيمة أو في مبنى معرّض لخطر الانهيار.
بينما كانت نائمة، صبّ زوجها السّابق الماء الحارّ فوقها، كما زعمت، وصرخ فيها قائلاً إنّها يجب أن تكون ممتنّة لأنّه لم يقتلها. لا تزال في غرفة العناية المركّزة بمستشفى محلّيّ، مصابة بحروق شديدة في رأسها، ووجهها، وجسمها. تُعدّ قصّتها واحدة من العديد من القصص المروّعة لنساء وفتيات في مناطق الأزمات.
تعاني النّساء بشكل غير متناسب في أعقاب الكوارث. بينما فقد عشرات الآلاف من النّاس منازلهم ووظائفهم، تواصل النّساء العمل بلا انقطاع في خيام مؤقّتة وحاويات أقيمت للنّاجين النّازحين للعثور على الطّعام أو محاولة الطّهي، أو الغسيل أو التّنظيف في الأماكن التي تتوفّر فيها المياه، في سعي حثيث لتلبية احتياجات الآخرين. في المجتمعات الأبويّة التّقليديّة، يقع العبء الكامل لرعاية العائلات الممتدّة على عاتقهنّ. ووفقاً لمنظّمات موجودة على الأرض، عُثِر على عدد كبير من النّساء ميتات في – وأحياناً انتُشِلن أحياء من – غرف أطفالهن المدفونة تحت أكوام من الأنقاض. عندما بدأت الهزّات، ركضن لإنقاذ أطفالهم وتريضعهم. وتقول اليونيسف إنّ عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم في الزّلزال «من المرجّح أن يصل إلى عدّة آلاف».
هناك 356,000 امرأة حامل في جميع أنحاء المناطق المتضرّرة من الزّلزال. ويُتوقّع أنّ تلد من بينهنّ نحو 39,000 في الأسابيع المقبلة. بالنّسبة إلى كلّ امرأة وفتاة مصابة، خاصّة بالنّسبة إلى النّساء الحوامل، فإنّ الافتقار إلى المراحيض ومرافق التّنظيف من بين مصادر الضّيق الرّئيسة.
أثناء نشأتي في تركيا، قيل لي عدّة مرّات إنّه عليّ التزام الصّمت تجاه جسد الأنثى والخجل منه، خاصّة الحيض. وحتّى يومنا هذا، من التّعريفات الشّائعة لكلمة «قذر» (kirli) في القواميس التّركيّة: «المرأة التي تحيض».
غالباً عندما كنت أشتري فوطاً صحيّة في صغري، اعتدتّ مشاهدة البائع على الفور يلفّها في صحيفة قديمة، ويخفيها كما لو كانت فضيحة. ذات مرّة، في إسطنبول، وبّخني بقّال عندما سألت بصوت عالٍ أمام الجميع أين يمكنني العثور على منتجات الدّورة الشّهريّة. استخدم كلمة لم أنسها قطّ: «عيب».
في هذه الثّقافة المتحيّزة جنسيّاً، تجد النّاجيات من الزّلازل صعوبة كبيرة في طلب الفوط الصّحّيّة. هناك افتراض أنّه ضمن الصّورة الأوسع للدّمار والخراب، فإنّ مثل هذه الأمور تُعدّ مصدر انشغال تافه.
لكنّها ليست كذلك. قالت منظّمة «أكشن إيد» إنّ وضع النّساء، والفتيات، والمجتمعات المهمّشة «أصبح يُنذر بالخطر على نحو متزايد». في أوقات الحروب والكوارث، تصبح حقوق وحريات النّساء والأقلّيّات دائماً ضحيّة «القضايا الأكثر أهميّة وإلحاحاً» للسّياسة الواقعيّة. وقد أفادت منظّمة «بلان إنترناشونال» الإنسانيّة أنّ «تجربتنا تُظهِر أنّ الأطفال، خاصّة الفتيات، والنّساء، والأسر الأشدّ فقراً، هم الأكثر تعرّضاً لخطر الاستغلال في كوارث مثل الزّلازل. يتعرّض النّساء والأطفال في مناطق الكوارث لخطر الاستغلال وسوء المعاملة، إذا وجدوا أنفسهم مشرّدين مرّة أخرى».
بينما نحتفل باليوم العالميّ للمرأة، تعاني النّساء في جميع أنحاء العالم وتكافحن بشكل غير متناسب. إنّ جهود الإغاثة القائمة على «النّوع الاجتماعيّ» ضروريّة لإعادة بناء مجتمعات أكثر عدلاً.
الحروب، والكوارث، والزّلازل تعطّل التّعليم، أيضاً. في تركيا وسوريا، من المرجّح أن تُسحَب الفتيات من المدارس. وتركيا لديها بالفعل أحد أعلى معدلات زواج الأطفال في أوروبا.
ومع ذلك، بدلاً من مساعدة النّساء من خلال تنفيذ «اتّفاقيّة إسطنبول» – المعاهدة المصمّمة لمكافحة العنف ضدّ المرأة – فعلت الحكومة، في عهد الرّئيس رجب طيّب أردوغان، عكس ذلك، حيث انسحبت من الاتّفاقيّة. وقال أردوغان مراراً وتكراراً إنّ المرأة لا يمكن أن تكون متساوية مع الرّجل وإنّ المساواة بين الجنسين «ضدّ الطّبيعة».
تُبرز أوقات الأزمات أفضل وأسوأ ما في الإنسانيّة. بينما شَهِدنا تدفّقاً عميقاً للمساعدة والدّعم من المجتمع المدنيّ، هناك ارتباط بين الافتقار إلى الدّيمقراطيّة، وانعدام المساءلة، والمستويات المرتفعة للفساد والمحسوبيّة في بلد ما وحجم المعاناة خلال الكوارث الطبيعيّة.
حزب العدالة والتّنمية في تركيا، تحت زعامة أردوغان، ليس فقط معادياً للدّيمقراطيّة وسلطويّاً، بل هو أيضاً ذكوريّ وكاره للمرأة بشكل صارخ.
للأسف، انتشر الخطاب المعادي للاجئين في تركيا بعد هذه الأزمة. في مدينة مرسين، طُرد سوريّون كانوا يقيمون في مأوى، قائلين إنّهم أُجبروا على إفساح المجال أمام مواطنين أتراك. تمّ وضع اللاجئين في حافلات وأُلقي بهم في الشّوارع. حتّى أولئك الذين كانوا يحاولون المساعدة في جهود الإنقاذ تعرّضوا للاعتداء في بعض الأماكن. في أوقات الشّدّة، بدلاً من التّشكيك في العجز الحكوميّ والأخطاء البنيويّة للحكومة، من الأسهل اللجوء إلى المجموعة الهشّة التّالية وإخراج الغضب فيها.
في هذه الأثناء، على الجانب الآخر من حدود تركيا، في إيران، تُسمّم الفتيات. في 26 مدرسة ابتدائيّة وثانويّة على الأقلّ، ورد أنّ أكثر من ألف فتاة قد استُهدفن بهجمات بالغازات الكيماويّة. كانت النّساء والفتيات الصّوت الرّائد في المطالبة بالتّغيير الاجتماعيّ، والمساواة، والحرّيّة في البلاد. إنّ شجاعة النّساء الإيرانيّات لافتة للنّظر: ولهذا السّبب يستهدفهنّ النّظام.
كثيراً ما نسمع أنّ العالم يعاني حالياً من أزمات متعّددة، وبالتّالي لا يمكن توقّع استمرار جهود الإغاثة والمساعدات لفترة طويلة جدّاً في مكان واحد. ومع ذلك، من الممكن النّظر إلى الأمر من زاوية مختلفة. سواء في تركيا، أو سوريا، أو أفغانستان، أو إيران، أو أوكرانيا التي مزّقتها الحرب… بينما نحتفل باليوم العالميّ للمرأة، تعاني النّساء والفتيات في جميع أنحاء العالم وتكافحن بشكل غير متناسب.
حزب العدالة والتّنمية في تركيا، تحت زعامة رجب طيب أردوغان، ليس فقط معادياً للدّيمقراطيّة وسلطويّاً، بل هو أيضاً ذكوريّ وكاره للمرأة بشكل صارخ
إنّ جهود الإغاثة القائمة على «النّوع الاجتماعيّ» ضروريّة لإعادة بناء مجتمعات أفضل وأكثر عدلاً. وتشير الدّراسات إلى أنّه عندما تُمنح النّساء مساعدات ماليّة ودعم نفسيّ، فإنّهنّ يستخدمن هذا التّأثير بشكل أساسيّ لصالح عائلاتهنّ، وأطفالهنّ، ومجتمعاتهنّ. لم يكن هناك وقت أكثر إلحاحاً من قبل للتّضامن العالميّ، خاصّة التّضامن النّسويّ العالميّ. ولم يكن هناك وقت أكثر إلحاحاً من قبل للقول بصوت عالٍ إنّه يمكننا أن نحبّ بشدّة بلادنا أو البلاد التي نتبنّاها وأن نكون في الوقت نفسه مواطنين عالميّين، مواطنين إنسانيّين.
مصدر الترجمة عن الإنجليزية: إليف شافاك، الغارديان، 8 آذار (مارس) 2023
الترجمة للعربية: محمد الدخاخي كاتب ومترجم مصري
المصدر: حفريات