الرئسيةروبرتاجمجتمع

على أبواب محكمة..عندما يحضر الألم خارج الجدران

تحت الشمس… قلوب تذوب وكرامة تنتظر

في قلب الدار البيضاء، وتحت شمس لا ترحم، يقف عشرات الوجوه الشاحبة على أبواب المحكمة الابتدائية بعين السبع، لا ظل يحمي، ولا كرامة تصون، فقط الانتظار، والقلق، والرجاء المتآكل.

بقلم: بثينة المكودي

هناك، لا يحتاج الزائر إلى دليل ليفهم أنه في فضاء يختزل مأساة اجتماعية مكتملة الأركان، رجال ونساء، أمهات وأخوات، آباء وأقرباء، يجلسون على الأرصفة، يفترشون الأرض، وينتظرون… لا موعد محدد، ولا معلومة رسمية، فقط كلمة “التقديم” تتردد على الألسن، وكأنها مفتاح الحياة أو الموت.

متى التقديم؟… سؤال يطارد العائلات 

يهمس أحدهم: متى سيُعرض ابني على وكيل الملك؟ وترد أخرى بصوت متهدج: قالوا ربما” اليوم مع “طناش”! لا مع “جوج”! لا حتى “الربعة”! وربما” غدا”، وربما… تمديد لا نعلم.

جشع يرتدي ربطة عنق

لكن ما يثقل هذا المشهد أكثر هو أولئك الذين يتربصون بالمكلومين، حيث بين وجوه الانتظار، يتحرك “الوسطاء”، منتحلين صفات، مدّعين علاقات، يعرضون خدماتهم المشبوهة على عائلات أنهكها القلق والحاجة، وهنا يبدأ جشع بعض المحامين، ممن يبيعون الوهم، ويقايضون الألم بصفقة قانونية لا يُضمن صدقها.

قسوة الزي الرسمي

وفي الزاوية الأخرى، رجال أمن يتعاملون بقساوة وخشون يطردون كل من يريد الاختماء وراء شجرة ظل قرب الباب المنتظر ، كما لو أن من يقف أمامهم ليس أماً تفقد فلذة كبدها خلف القضبان، أو شيخاً جاء يحمل وجع ابنه في كيس دواء.

لا ظل، لا مرحاض، لا إنساني

لا أماكن انتظار مخصصة، لا مرافق صحية، لا سقف يخفف من حرارة الشمس، فقط جدران صامتة، وساحة تُختصر فيها كرامة المواطنين إلى انتظار لا ينتهي.

طفلة تمسك بيد أمها، تسألها: متى سنرجع إلى البيت؟ لكن الأم لا تملك جوابا، كما لا يملكه الجميع هنا، لأن العدالة، وإن كانت تسكن هذه الجدران، فقد نسيت من يقفون خارجها.

“خرج… المهم أنه خرج”

وفي لحظة مفاجئة، ارتجفت قدما خال عند رؤية ابن أخته يخرج من قاعة المحكمة، كمن خرج من عنق الزجاجة، إلى متاهة أخرى لا يعرف مداها، لكن المهم أنه خرج. خرج وجد حضنه، ولو محطما.

المحاكمة تبدأ من الساحة

في عين السبع، لا يُحاكم المتهم فقط، بل تُحاكم معه أسرته، ومشاعره، وإنسانيته، في عين السبع، ساحة المحكمة لا تليق بعاصمة اقتصادية، ولا بدولة تقول إنها وضعت المواطن في قلب الإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى