
سينما سلام بأكادير.. من معلمة سينمائية لمركز ثقافي بـ18,5 مليار سنتيم
أعلنت مدينة أكادير عن مشروع جديد تحت شعار “التأهيل الحضري وإحياء الرمزية الثقافية”، و هذه المرة فوق أنقاض سينما “سلام” التي احتضنت ذاكرة أجيال من عشاق الشاشة الكبيرة.. مشروع طموح “أو على الأقل يُسوَّق كذلك” يهدف إلى تحويل البناية المتقادمة إلى مركز ثقافي حديث بمواصفات “عصرية”، بميزانية قد تفوق خيال المبدعين أكثر مما تُلبي حاجات المبدعين أنفسهم: 18,5 مليار سنتيم.. ما يطرح سؤالاً عريضاً: هل نحن أمام استثمار في الثقافة أم أمام استثمار آخر في ميزانيات بلا سقف؟
ميزانيات تُغري المقاولات أكثر من المثقفين
رُصد في أبريل الماضي، غلاف مالي أولي بـ5,8 ملايين درهم لتهيئة المحيط الخارجي، وبعدها بشهور قليلة، قفز الرقم إلى 18,5 مليون درهم للمرحلة الثانية، تشمل تجهيزات من الحفر والتسوية إلى السينوغرافيا وطلاء الواجهة. أرقام تكفي لإحياء أكثر من قاعة سينمائية في مدن أخرى تُعاني عطشاً ثقافياً.
عرض وحيد وصفقة “مضمونة”
المثير للسخرية أن صفقة المشروع التي أطلقتها شركة التنمية المحلية “أكادير موبيليتي” لم تُغْرِ إلا شركة واحدة، تحمل اسم “سود وان نيغوص”، وهي شركة لا تقتصر على البناء، بل تمتد أنشطتها إلى بيع المعدات المكتبية والتجهيزات المعلوماتية، وكأنها موسوعة في الخدمات! هنا يطرح السؤال نفسه: هل غياب المنافسة علامة على ضعف السوق أم على “قوة العلاقات”؟
من التبليط المزخرف إلى الذاكرة المنسية
المشروع ينقسم بين تهيئة خارجية تُغدق الحديث عن الأرصفة المزخرفة وحجر إفران والأشجار وأثاث حضري حديث، وبين تأهيل داخلي يعِد بهدم واجهات وبناء أخرى مع أرضيات وأسقف وأنظمة كهربائية وصوتية متطورة… مهرجان من الخرسانة والطلاء قد يُنسي المدينة أن ما يهم ليس شكل الواجهة بقدر ما هو مضمون الفضاء نفسه، فهل سيعيد المركز الحياة الثقافية للمدينة، أم سيبقى مجرد بناية أنيقة تنتظر زواراً لا يأتون؟
بين المليارات والمواطن
18,5 مليار سنتيم لورشة إسمنتية تحمل لافتة “مركز ثقافي”، بينما أحياء أكادير الهامشية تبحث عن قاعة صغيرة للأنشطة الجمعوية، وعن مكتبة مدرسية تحفظ أبسط حقوق التلميذ في المعرفة.. يبدو أن الثقافة في المغرب، كما الصحة والتعليم، لا تُقاس بحاجة المواطن، بل بحاجة السلطة إلى صور ملونة تُعرض في نشرات الأخبار
سؤال أخير بلا جواب
هل ستتحول سينما “سلام” إلى منارة ثقافية تُعيد للمدينة جزءاً من روحها، أم إلى مجرد مركز حضري آخر يُضاف إلى قائمة المشاريع التي تُزين الميزانيات أكثر مما تُغني الواقع؟ الأكيد أن 18,5 مليار سنتيم كفيلة بصناعة “ثقافة” كاملة لو أُحسن تدبيرها، لكن بين الحلم والواقع مسافة تعرفها جيوب المقاولات أكثر مما تعرفها ذاكرة الأجيال.