
وجّه المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية العلوم التطبيقية بآيت ملول، التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، نداءً إلى الرأي العام الجامعي والوطني، كشف فيه عن سلسلة من الاختلالات الإدارية والبيداغوجية التي قال إنها “تعمّقت منذ سنة 2019″، تاريخ اعتماد المؤسسة.
يؤكد النداء الصادر يوم 6 أكتوبر 2025، أن النقابة كانت قد بادرت بطلب رسمي لعقد اجتماع مع العميد بالنيابة لمناقشة الملف المطلبي ومستجدات الدخول الجامعي، إلا أن المكتب فوجئ — حسب ما ورد في الوثيقة — بما وصفه بـ”سياسة التهرب والمماطلة وعدم الاكتراث” ، في إشارة إلى فشل مسار الحوار الاجتماعي داخل المؤسسة.
جناح البحث العلمي… جاهز منذ سنة ونصف لكنه مغلق
من أبرز النقاط التي أثارها البيان، ملف البناية الخاصة بجناح البحث العلمي، التي ظلت مغلقة لأكثر من سنة ونصف رغم جاهزيتها التقنية، بدعوى عدم احترام الشروط البيداغوجية.. حيث حمّل المكتب النقابي للعميد بالنيابة المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع، لكونه كان مشرفاً على لجنة تتبع الأشغال، معتبراً أن هذا التأخير حرم الأساتذة والطلبة من مرفق علمي أساسي، وأدى إلى ما وصفه بـ”هدر المال العام” .
كما استغرب المكتب، أيضاً، من تقديم “معطيات مضللة” خلال زيارة وزارية سابقة، مؤكداً أن ما جرى يمثل “استهتاراً بالمسؤولية وتجاهلاً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة” ، وهو مبدأ نص عليه دستور المملكة منذ سنة 2011 دون أن يجد طريقه إلى التطبيق في كثير من القطاعات.
ميزانية بملايين الدراهم… دون أثر على أرض الواقع
فتح البيان كذلك ملفاً مالياً حساساً، يتعلق بميزانية تفوق أربعة ملايين درهم خُصصت لاقتناء معدات وتجهيزات خاصة بالبحث العلمي والأشغال التطبيقية.. وحسب المكتب المحلي، فإن هذه المعدات لا تزال “مركونة دون استعمال لأزيد من أربع سنوات” ، وهو ما يطرح علامات استفهام حول طريقة التدبير المالي داخل المؤسسة.. و في سياق يعاني فيه البحث العلمي بالمغرب من ضعف التمويل، إذ لا تتجاوز نسبة الإنفاق عليه 0.8% من الناتج الداخلي الخام، فإن ترك تجهيزات بملايين الدراهم دون استغلال يبدو، وفق لغة البيان،” دليلاً على غياب الحكامة والنجاعة في التدبير العمومي”.
تصفية حسابات وتوتر داخلي
البيان لم يكتف بتشخيص الأعطاب الهيكلية، بل انتقل إلى الحديث عن ما وصفه بـ”ممارسات التضييق وتصفية الحسابات” ضد بعض الأساتذة الباحثين الذين يختلفون في الرأي مع الإدارة، وأشار إلى أن هذه الممارسات تتجلى في تعطيل مشاريع تكويناتهم البيداغوجية، ما أدى إلى خلق جو من التوتر والاحتقان داخل الكلية.
و في هذا الإطار، عبّر المكتب المحلي عن قلقه من” الأسلوب الانفرادي والعبثي” في التسيير، والذي — حسب تعبير البيان — “نسف الأعراف الجامعية وروح العمل التشاركي التي يفترض أن تميز مؤسسة علمية حديثة العهد” .
دعوة لتدخل وزاري عاجل
في ختام بيانه، دعا المكتب المحلي وزارة التعليم العالي ورئاسة جامعة ابن زهر إلى القيام بزيارة ميدانية للكلية، للوقوف على ما سماه “الوضع الكارثي” الذي تعيشه المؤسسة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذها، كما أكد أن ما ورد في البيان ليس سوى “جزء من اختلالات عديدة عميقة” ، ستُفصَّل لاحقاً في بيانات أخرى.
دفاع عن الجامعة العمومية وكرامة الأستاذ
ورغم نبرة التنديد، شدّد المكتب المحلي على تمسكه بمسؤوليته الأخلاقية والتاريخية في الدفاع عن الجامعة العمومية وكرامة الأستاذ الباحث، داعياً جميع الأساتذة إلى الالتفاف حول نقابتهم من أجل تحصين وحدتهم التنظيمية والنضالية.
يعيد بيان كلية العلوم التطبيقية بآيت ملول، النقاش حول أوضاع التدبير الجامعي في المغرب إلى الواجهة ، حيث تتكرر الشكاوى من سوء التسيير وغياب المحاسبة في مؤسسات التعليم العالي.. فبين مبانٍ مغلقة ومعدات مهملة وتوتر داخلي، يبدو أن “جامعة المعرفة” باتت تحتاج إلى من يُنقذها من “جامعة الصمت”.
إن هذا البيان، رغم حدّته، يسلط الضوء على مأزق أكبر يتمثل في غياب رؤية وطنية متكاملة لإصلاح التعليم العالي، رؤية تُعيد الثقة في المؤسسة الجامعية كمحرك أساسي للتنمية ومختبر للفكر النقدي والإبداع العلمي، فالأزمة اليوم ليست أزمة كلية واحدة، بل أزمة جامعة بأكملها تبحث عن من يعيد إليها معناها ودورها الحقيقي في بناء المستقبل.