
تحرير: بثينة المكودي
بعد أسابيع من الترقب، نشرت حركة جيل Z 212 عبر صفحاتها الرسمية على المنصات الرقمية، سلسلة من البيانات والمقاطع الصوتية التي تؤكد فيها استمرارها في الحراك السلمي، مع تجديد الدعوة إلى إصلاح شامل لمنظومتي الصحة والتعليم، والتشديد على التمسك بوحدة الصف الوطني ورفض أي محاولة لتقسيم المغاربة على أساسٍ عرقي أو لغوي.
أوضحت الحركة، في بيانها الأخير أن “المرحلة المقبلة ستكون حاسمة”، مشيرة إلى أن شبابها يعتزمون مواصلة الاحتجاج السلمي وتنظيم وقفات رمزية في مدن مختلفة، من أجل “إسماع صوتهم بشكل حضاري ومسؤول”.
وأكدت أن تعليق التظاهرات السابقة لم يكن تراجعًا عن المطالب، بل خطوة تكتيكية لإعادة التنظيم وتفادي أي انزلاقات ميدانية، داعية جميع المشاركين إلى التحلي بالانضباط والوعي.
نداء للوحدة في وجه خطاب الكراهية
في سياق متصل، حذّرت الحركة من “خطابات تحريضية” تحاول بث الفرقة بين الأمازيغ والعرب، مؤكدة أن “المغرب بلد واحد بشعبٍ واحد، وأن المطالب الاجتماعية لا تنفصل عن روح المواطنة والوحدة الوطنية”.
وأضاف البيان: “لسنا حركة انفصالية أو فئوية، بل جيلٌ يؤمن بأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من المساواة بين جميع أبناء الوطن”.
هذا الموقف لاقى تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل، حيث تداول الآلاف وسومًا مثل “مايفرقوناش” و”المغرب_واحد” تأكيدا على روح التضامن الشعبي والوحدة.
المطالب كما جددتها الحركة
ركزت جيل Z في منشوراتها الأخيرة على أربعة محاور رئيسية؛ إصلاح منظومة التعليم بما يضمن الجودة والمجانية والعدالة في الولوج، وتحسين الخدمات الصحية وضمان الكرامة الإنسانية داخل المستشفيات العمومية، ومحاربة الفساد والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات السلمية الأخيرة.
وأكدت الحركة أن “الاحتجاج ليس فوضى، بل شكل من أشكال المشاركة في بناء الوطن”، مشددة على تمسكها بالسلمية ورفضها لأي انزلاق نحو العنف أو التخريب.
تفاعل رسمي وشعبي
في المقابل، عبّرت الحكومة عن تفهمها للمطالب الاجتماعية، مشيرة إلى أن “الإصلاحات جارية ضمن برنامج عمل واقعي ومتدرج”، فيما دعا عدد من الباحثين والحقوقيين إلى فتح قنوات حوار مباشر مع ممثلي الشباب.
أما على المستوى الشعبي، فقد تحولت منشورات الحركة إلى مساحة نقاش واسعة حول مستقبل البلاد، بين من يرى فيها صوت صادق لجيل جديد، ومن يعتبرها “تعبيرا عفويا يحتاج إلى تأطير سياسي جديد”.
نحو مرحلة جديدة
الرهان اليوم ليس فقط على حجم الغضب، بل على نضج التنظيم ووضوح الرؤية، إنّ جيل Z مدعو إلى الانتقال من مرحلة التعبير إلى مرحلة البناء، من الاحتجاج إلى الاقتراح، ومن الغضب الرقمي إلى الفعل المدني والسياسي الواعي.
فحركة جيل Z اليوم أمام مفترقٍ جديد، يتجاوز حدود الشارع والمنصات الرقمية، نحو سؤال أعمق يتعلق بمستقبل الفعل السياسي في المغرب، فنجاح هذا الجيل لن يُقاس فقط بقدرته على رفع الشعارات أو حشد الجماهير، بل بمدى قدرته على الانتقال من الاحتجاج إلى المشاركة الواعية، في إطار نضال مؤسساتي يضمن استمرارية التغيير داخل بنية الدولة لا خارجها.
لكن هذا التأطير المنشود لا يمكن أن يكون تقليديا أو وصائيا كما عرفناه في الأحزاب الكلاسيكية، بل يجب أن يكون تأطيرا متجدد، مرن، ومبدع، يستوعب لغة الجيل الجديد وأدواته الرقمية، ويمنحه مساحة للتعبير والمبادرة داخل المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار، فالمجتمع الذي لا يجد فيه الشباب مكانا، سيجد نفسه خارج الزمن.
جيل Z اليوم لا يبحث عن قيادة تُلقّن، بل عن فضاء يشارك فيه، عن سياسة تُصغى فيها الأصوات بدل أن تُهمَّش، وعن مؤسسات تتنفس نبض الشارع وتعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، لذلك، فإن الرهان الحقيقي ليس على الشارع وحده، بل على قدرة النظام السياسي على تجديد نفسه من الداخل، ليواكب جيلا لا يريد الهدم، بل الإصلاح بجرأة ومسؤولية.
وفي المقابل، فإن تجاهل هذه الطاقة الشبابية قد يدفعها إلى التشتت أو الانقسام، لتضيع فرصة تاريخية لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، فإمّا أن يُفتح أمام هذا الجيل أفق جديد للمشاركة، أو يغلق الباب مجددا أمام طموحات فئة تمثل روح المغرب الجديد.
لكن المؤكد أن جيلا جديدا من المغاربة قرر كسر الصمت، رافعا شعار:
“لا نريد امتيازات.. نريد فقط أن نعيش بكرامة في وطننا.”