أوديواقتصادالرئسيةحواراتدابا tv

مشروع قانون مالية 2026..أقصبي: قيمة الميزانيات لا تكمن في ضخامة أرقامها بل في أثرها الفعلي على المواطنيين

في خضم النقاشات المحتدمة حول مشروع “قانون المالية لسنة 2026” ، خرج الخبير الاقتصادي الدكتور نجيب أقصبي بتشخيص لما وصفه بـ”الأرقام الضخمة والمضمون الهش”، معتبراً أن المشروع الجديد لا يمثل نقطة تحول في الرؤية الاقتصادية بقدر ما يعيد إنتاج نفس التوازنات الشكلية التي عمّقت أزمة التمويل والاختلالات البنيوية.

Najib_Akesbi_نجيب أقصبي
 

أرقام بلا مضمون تنموي

من منظور أقصبي، لا تكمن قيمة الميزانيات في ضخامة أرقامها، بل في أثرها الفعلي على حياة المواطنين، فمشروع قانون المالية الجديد، رغم تعدد تعديلاته الشكلية، يظل – في رأيه – قائماً على نفس الفلسفة القديمة التي تضع التوازنات المحاسباتية قبل التنمية الاجتماعية. “القيمة ليست في الأرقام، بل في المضمون”، يقول الخبير، محذراً من استمرار ما يسميه بـ”التنمية الورقية”.

أزمة التمويل والمديونية المتزايدة

ينتقد أقصبي ما يعتبره “هشاشة تمويلية مزمنة” تهدد قدرة الدولة على تلبية حاجياتها الأساسية.. فالعجز الحقيقي للميزانية، وفق تقديره، يصل إلى نحو 172 مليار درهم، منها 123 مليار ستغطيها الدولة عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، ويرى أن هذا النمط المالي يقود إلى “دوامة مديونية متواصلة” تجعل الديون الجديدة تُستخدم لسداد القديمة، دون خلق قيمة إنتاجية أو نمو فعلي.

ويُحمّل الخبير الحكومة مسؤولية تأجيل إصلاح جبائي حقيقي، رغم أنه وعد به منذ سنة 2022، مؤكداً أن غياب العدالة الضريبية والتدرج التصاعدي في الجبايات يُبقي الدولة رهينة موارد غير كافية، و”أسيرة الاستدانة كخيار دائم”.

توازن مغشوش بين الأمن والخدمات الاجتماعية

في سياق تحليله لبنية التشغيل في مشروع الميزانية، يتوقف أقصبي عند التالي وهي مفارقة لافتة: تخصيص 13 ألف منصب جديد لقطاع الأمن، مقابل 8 آلاف فقط لقطاع الصحة.. بالنسبة له، هذا التوجه “يفضح طبيعة الأولويات الحكومية”، التي تميل نحو الاستقرار الأمني أكثر من التنمية الاجتماعية، ويطرح تساؤله الصريح: “هل نريد معالجة أسباب الاحتقان، أم السيطرة على تداعياته؟”

ويضيف أن المشكل لا يكمن في عدد المناصب، بل في ضعف الحكامة والتوزيع المجالي غير المتوازن الذي يترك مناطق واسعة في الهامش دون خدمات أساسية و أحيان حتى المدن الكبرى..

“الأزمة ليست في الكم، بل في الكيف“، يقول أقصبي، مبرزاً أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة بناء المؤسسات والخدمات العمومية على أسس العدالة والنجاعة.

إصلاحات مؤجلة وإخفاقات متراكمة

يتساءل أقصبي: “هل هذه الميزانية قادرة فعلاً على تحسين واقع الصحة والتعليم؟”، ليجيب: “مع الأسف لا.”

فالأرقام المتزايدة في اعتمادات الوزارتين على مر سنوات لم تُحدث أي تحول ملموس، ما دام المواطن المغربي – كما قال – “ما زال ساخطاً على أوضاع الصحة والتعليم، فرغم الخطاب الإصلاحي الرسمي، يظل المواطن المغربي فاقداً للثقة في جدوى السياسات العمومية.

دعوة إلى إصلاح بنيوي عميق

يختم أقصبي تحليله بدعوة صريحة إلى” مراجعة شاملة للمنظومة الاقتصادية” تقوم على ثلاثة أسس كبرى:

1. إصلاح ضريبي تصاعدي عادل يضمن مساهمة فعلية للثروات الكبرى والرأسمال الريعي.

2. ترسيخ حكامة فعالة في تدبير الإنفاق العمومي.

3. إعادة توجيه الاستثمار نحو القطاعات المنتجة والمحدثة للقيمة الحقيقية.

ويحذر من أن استمرار الحكومة في التعاطي مع التوازنات المالية بمنطق المحاسبة لا التنمية سيجعل من كل قانون مالي مجرد وثيقة تقنية بلا أثر اجتماعي.

فحين تبقى المدارس بلا رؤية، والمستشفيات بلا تجهيز، والمواطن بلا ثقة، تصبح الأرقام، مهما بلغت، مجرد مرايا لغوية تخفي هشاشة المضمون وغياب الشجاعة الإصلاحية.

اقرأ أيضا…

نجيب أقصبي: الاقتصاد ليس أرقامًا…بل مرآة للمجتمع وديناميته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى