وداعا فنان الشعب اللوز ..من دروب الدايمة حي الهامش (سيدي عثمان كازا) إلى التحليق في سماء الهند (فيديوهات)
لم تكن فرجة الإيقاع تحلو إلا مع الفنان محمد اللوز، نجم الفرقة الشعبية تكدة، وقبلها فرقة الجواد، هكذا يصرح معظم الفنانين، الذين جايلو هذا الهرم الإستثنائي، الذي تحدى “عجرفة ” التهميش المخيم على أبعد حي في الدارالبيضاء، سنوات السبعينات وهو حي الدايمة، الذي أخذ اسم لالة مريم بعد إعادة تأهيله ليسطع اسمه كأحد نجوم الأغنية الشعبية ….
الأجيال الحالية لا تعرف بأن تسمية الدايمة، لهذا الحي كانت بسبب قربها من مقبرة اسباتة، والدايمة تعني الدائمة أي المقبرة حيث سيسكن الجسد إلى الأبد، وكان أبناء هذا الحي عندما يريدون التشوير إلى أحد عن مكان سكناهم يقولون ” الديور للي حدا الدايمة ” ، هكذا أخذ هذا الحي هذا الاسم قبل أن يصبح لالةمريم. لم يكن اعتباره أحد أهرامات الميزان اعتباطيا، فمنذ الصبى كان مهووسا بالإيقاع إذ رغم ضيق ذات اليد، والحيف المسلط على سكان حيه في تلك الحقبة، ورغم انعدام فرص الحظوظ على غرار باقي الأحياء القريبة من مركز المدينة، حيث هناك نسبة حظوظ وافرة للشباب لإبراز مواهبهم، لم يستسلم الفتى وظل يتبع خطوات وجدانه إلى أن رسا في مرسى الكبار .
حزام الفقر دفعه للاشتغال باكرا كسائر أقرانه الذي عانقوا المعاناة معروف أنه كان يقود ” الكرويلة ” أو ” الكوتشي ” لسد فراغ حافلات النقل، التي لم تكن تصل للأحياء المماثلة حيث يقطن، وأيضا لمساعدة نفسه والعائلة، ومع ذلك ظل يذهب للمدرسة وبالضبط مدرسة ابن دريد بالقرب من سوق اشطيبة، حيث كان يدرس العديد من أبناء الزيرزو كاط، هنا يقول الفنان سعيد هبال بأن اللوز كان يأتي للمدرسة بواسطة الكوتشي، وقد اسر له مرة بأن سبب عشقه للإيقاع يعود لصوت نقع الحصان فخطوات الحصان وانتقالات سرعتها وما تصدره من أصوات يظل يسكن دواخله، حتى أنه داخل الفصل الدراسي لا يقوى على كبح يده من النقر مقلدة أصوات الإيقاع التي تخلفها خطوات الحصان، الأمر الذي كان يتسبب له في مشاكل مع المدرسين .
عاشق الإيقاع والفنون لن يقمع موهبته أحد فقد كان لا يتوانى عن حضور ” الحلقة ” سواء باشطيبة أو لقريعة القديمة، بل أكثر من هذا فقد أصبح يقصد فرق عيساوة وجيلالة وينقر معها الإيقاع قبل الانتقال إلى حلقة الملاكمة لمزاولة ” البوكس ” …
اللوز لم تكن تكفيه الحلقة لمزاولة النقر على الإيقاع، ففي المساء، يقصد “لاجونيس” أي دار الشباب الجولان للارتماء في أحضان المسرح رفقة محمد التسولي والزيات والرياجي ووردة ابراهيم والمسكيني الصغير وجندل وغيرهم من الأسماء التي كانت تنشط في مسرح ابن امسيك، وتخرج على يدها العديد من المسرحيين..
في سنة 1973 سيتغرف على سي محمد الباهري واحميدة الباهري ، في تلك الحقبة كانا ضمن مجموعة لمشاهب وفي نفس الوقت يقطنان لدى قريبة لهما تقطن نفس الحي الذي ينحدر منه اللوز، أطلعهما على مواهبه وظلا على اتصال إلى من خلال صداقة ستظل تجمع بينهم إلى حين وافته المنية، في سنة 1974 سينفصل الإخوة الباهري عن مجموعة لمشاهب، وسيقرران تأسيس فرقة جديدة إسمها الجواد، وهو الاسم الذي أطلقه عليها المرحوم بوجميع، فالأخير كان يعطف كثيرا على سي محمد وحميدة على اعتبار أنهما غرباء في الدارالبيضاء وضحيا بكل شيئ حتى أنهما غادرا مدينتهما مراكش من أجل الفن، وبحكم أن نادي لمشاهب كان قريبا من نادي الغيوان بالصخور السوداء فقد توطدت العلاقة بينهما وبين بوجميع، حيث كان يقدم لهما المساعدة وما إلى ذلك.
حين قررا تأسيس المجموعة فكرا في صديقهما محمد اللوز، حيث سيدخل إلى عالم الاحتراف من بابه الواسع، بل أكثر من ذلك سينتقل للسكن معهما في البيت الذي اكترياه، حتى تسهل عليهم التداريب، وكانت فرقة الجواد تضم أيضا الفنان المرحومة حليمة حجاجي، التي تعد ثالث عنصر نسوي يدخل بحر الغيوان بعد سكينة وسعيدة، فحليمة قبل الالتحاق بمجموعة الجواد كانت ضمن فرقة أهل الجودة التي كانت تضم الفنان صالح نور، ومحمد سوسدي، والشادلي امبارك، وسعيد سعد، وعبدالرحيم الكناوي، سيسجل مع فرقته الاحترافية الأولى العديد من الأعمال وسيشارك معها في العشرات من الجولات والملتقيات، وكان هو عازف إيقاعها الرئيسي، كان اللوز قبل خوض الاحتراف قد مر من فرقة العاشقين التي يرأسها محمد المبشور وتضم محمد الصفوي وأحمد عجيب الذي كان من أعز أصدقاء اللوز وسعيد سعد.
التحاقه بمجموعة الجواد سيكسبه شهرة واسعة خاصة وان طريقة عزفه للإيقاع لا مثيل لها، هكذا سيكون وحط انتباه للفرق الكبيرة، إذ مباشرة بعد مغادرة الفنان عبدالجليل بلكبير لمجموعة تكدة ، ستتصل باللوز فرقة تكدة الشهيرة إذاك لتفتح له الأبواب لإبراز ما بجعبته من مواهب، إذ بصحبتها سيدخل عالم المسرح والدراما ومعها سيبرز أنه من أمهر العازفين على الإيقاع، كما سيظهر ملكته الصوتية ..
كانت وزارة الداخلية قد اختارت في أواسط الثمانينات فرقة تكدة لتمثيل الفن المغربي بالهند، في مهرجان يهتم بالإيقاعات، فرقة تكدة كانت تعتقد أنه مهرجان عاد كأي مهرجان، إذ لم تتلق أي توضيحات من لدن وزارة الثقافة، لما وصلت إلى هناك ستجد أن الأمر يتعلق بمسابقة حول أحسن إيقاع، وفهموا أن المشاركين هم من كبار الفرق وأعتاها على مستوى الإيقاع في العالم يمثلون كل القارات وبأن تكدة تمثل شمال إفريقيا برمتها ، توكلت الفرقة على الله كما يقول الروداني رئيس الفرقة لتجد نفسها تحتل المراتب الأولى بفضل المجهود الذي قامت به ، خصوصا ما قام به اللوز ، لتكافا بجولة فنية بهذه الدولة العريقة ..
وداعا فنان الشعب محمد اللوز وأسكنك الله فسيح جنانه.