
أكد المؤرخ والفاعل السياسي، مصطفى بوعزيز، أن العالم الحالي وصل مرحلته الأخيرة، وأن هناك بوادر لميلاد عالم جديد، وجائحة كورونا ليس إلا سببا، وأن الطابع الغالب في هذه الولادة أنها ولادة عسيرة، بمعنى أن آلمها كبيرة جدا، وأن الفاتورة الباهظة في عسر هذه الولادة بطبيعة الحال ستؤديها البشرية المنتمية للأماكن الهشة في الكرة الأرضية.
جاء ذلك، في الندوة الرقمية التي نظمتها الشبيبة الاشتراكية التابعة لحزب التقدم والاشتراكية، تحت عنوان “المغرب وتحديات ما بعد كورونا”، والذي استضافت أمس الاثنين، كل من عبدالواحد سهيل، والإعلامي عبدالرحيم تفنوت، والمؤرخ مصطفى بوعزيز، الذي أشار في مداخلته، أنه فيما يخص المغرب بارتباطه بالراهن، أنه وانطلاقا مما طرحه في كتابه الأخير “الوطنيون المغاربة في القرن العشرين..1873/1999″، قرن و30سنة، والذي الجوهري فيه ينطلق من سؤال الحداثة، و هو السؤال الذي سيعاد اليوم إنتاجه بشكل من الأشكال، أن المغاربة أمام صدمة الحداثة، تعرضوا لانكسار كبير في كل بناهم، وخلال على الأقل قرن حتى بداية القرن العشرين، كان المغاربة ضد الحداثة وضد التحديث، بمعنى المظاهر المادية للحداثة من سكك حديدية وتلغراف والسيارة وغيرها، وأنه وانطلاقا من القرن 21 بدأ نوع من الجري و الهرولة نحو التحديث، نحن اليوم لدينا تجيفي، لكن بنفس الموقف و النظرة للحداثة كمنظور ورؤية للعالم المطبوعة بالتردد العام.
في نفس السياق، أكد بوعزيز في المداخلة ذاتها، أن هذا التردد العام لا يشمل فقط النخب الحاكمة، بل هو تردد يطبع حتى النخب غير الحاكمة الحضرية والقروية، وهو العنصر الأساسي في هشاشة وضعنا في العالم، بحيث أننا مازلنا لم نقرر بشكل جماعي أو على الأقل أغلبي كيف نطور ثقافتنا في اتجاه أن تصبح حداثية، وتمكننا من إصلاح كل البنى بما فيها بنية النص الدستوري، والذي مازال في نظري محافظ.
خلال المداخلة ذاتها، تسأل مصطفى بوعزيز، هل ظرفية كورونا ستكون منطلقا لإحداث قطيعة مع المحافظة ومنطلقا للحسم في التردد العام، لننتقل لبلورة حداثتنا التي تمكننا من الاندراج في العالم من موقع الشريك الكامل.
وجوابا على هذا السؤال أو توضيحا له، يضيف بوعزيز يمكننا أن نقسم الأوقات كالتالي، المغرب خلال كورونا، ما قبل كورونا وما بعدها، ففي خلال ما قبل كورونا المغرب كان في أزمة يعترف بها الجميع وعلى رأسها الخطابات الملكية، والتي تحدثت عن أين الثروة بمعنى أن هناك ثروة تبدد، وعن نموذج تنموي وصل نهايته ويجب البحث عن نموذج بديل، وأن المغاربة في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد، لكن يضيف بوعزيز، التصورات الرسمية لهذه الأزمة، حتى مع تسجيل أن التشخيص لها واضح انطلاقا من العديد من التقارير والدراسات الرسمية، وخصوصا المؤسسة الملكية للدراسات الاستراتيجية التي وصلت لخلاصة أن النموذج التنموي في المغرب وصل نهايته، بقيت في عمومه وفية في الدفاع عن صوابية التوجهات العامة.
في نفس السياق، استطرد المتحدث ذاته في عرض تفسيره لمغرب ما قبل كورونا، أن التفسيرات الرسمية للأزمة، تنطلق من أنها أزمة نمو عموما، وأن التوجهات العامة صحيحة بغض النظر عن بعض الاختلالات الاجتماعية والمجالية، بينما قوى أخرى من المجتمع وانطلاقا من تقارير ومذكرات ومنها المذكرات التي رفعت للجنة الخاصة لنموذج التنموي الجديد، تؤكد أن الأزمة بنيوية، ناتجة عن اقتصاد الريع وعن الامتيازات وسيادة الزبونية، بل حتى الرشوة تقول هذه التقارير الرسمية، ليست اختلالات من اختلالات النظام، بل ركيزة أساسية في بنائه العام، والنتيجة العامة هو انعدام الثقة بين المجتمع والدولة، وهو الاستنتاج الذي يصل إليه المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
إذا يشير مصطفى بوعزيز المغرب كان قبل كورونا في وضع هش وفي وضع الأزمة التي أصبح الجميع يستعملها، وأن كورونا جاءت في وقت الأزمة، وفي ظل شعور الجميع أن هناك خطر محدق بالجميع دولة ومجتمعا، وبأنه في مواجهة هذا الخطر هناك ضرورة لرد فعل غايته الأولى حماية الحياة وحماية الإنسان، ومن هذه الزاوية الدولة خلال كورونا وبحكم هذا الوعي المبني على الخوف، وليس على الوعي الناتج عن حوار وقناعة، تدخلت الدولة لتعيد ترتيب أولويتها، لتضع الإنسان في مركز الأولوية، وأصبحت عمليا أمام اختيار حماية الصحة وحماية الإنسان، وفي نفس الآن التدخل لضبط المجتمع وتوازناته، وبالتالي هذه المرحلة نظرا للخوف المدرك جماعيا ستعطي إمكانية لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، ومن هنا يؤكد بوعزيز، سيطرح السؤال ذاته، هل سنستفيذ من هكذا وضع.
وبخصوص وضع ما بعد كورونا، أوضح بوعزيز في المداخلة ذاتها، ضمن فعاليات الندوة الرقمية، أنه سيكون لها وقع تسونامي لا على صعيد البنيات بمختلف مستوياتها، إذ كل من هو في وضع الهشاشة ستزيدها ما بعد كورونا هشاشة، وكل من كان في وضع استقرار نسبي سيفقده، والاقتصاد سيتضرر مثلما ستتضرر التجارة، وبالتالي الضحايا من الناحية الاجتماعية سيتسع فضاءهم، ومن هنا الغضب الذي عبر عنه في السابق في مناطق مختلفة وبأشكال مختلفة، سينضاف له غضب آخر لكل هذه الفئات الاجتماعية ضحايا ما بعد كورونا.
ليختم هذا الجزء الأول من مداخلته بطرح سؤال، هل سنتمكن من بناء الثقة بين المجتمع والدولة، والذي سيمكننا من الصمود أمام تداعيات كورونا؟ ونبني مجتمعا مبني على التضامن في ظل وضع الكفاف ووضع اجتماعي صعب، أم أن الانضباط الحالي الموجود داخل المجتمع، ونوع من تثمين دور الدولة سيغري المقررين الأساسيين بأنه بالإمكان حكم البلاد بقبضة من حديد، والاستمرار في نفسه الوضع.
يتبع