الرئسيةذاكرةشواهد على التاريخ

إلى روح الفقيد زعزاع..جماعة المواطن: تجربة تستعصي على الطمس(صلاحيات الملك..تازمامرت..التحالفات..) الحلقة3

سيعتبر عبد الله زعزاع في كلمة باسم "جماعة المواطن"، في حفل حاشد لاستقبال المعتقلين السياسيين بساحة الاتحاد المغربي للشغل بتازة بتاريخ 12 شتنبر 1992، سيعتبر أن منع جريدة و سنتين سجنا هي لا شيء أمام ما بدأ يتحقق من التفاف للقوى الديمقراطية و اليسارية حول شعار أصبح قاسما مشتركا مركزيا و ما لاح في الأفق من تغيير لموازين القوى لصالح المشروع الديمقراطي

فضيلي
بقلم خالد فضيل

رغم أن ” جماعة المواطن ” كانت قد شكلت وضعا استثنائيا و قيمة فكرية و سياسية مضافة و نقطة نظام مفصلية في تاريخ اليسار و لحظة وقوف نوعية لمسائلة الذات و الموضوع و السياق و الأخطاء و التقديرات و مناهج التفكير و العمل ، بجرعة زائدة من الجرأة و الإفصاح عن الحقائق ، إلا أنها لم تنل حظها من الإنصاف و التوثيق و التأريخ ، لا من طرف المتتبعين و لا من قبل من أسسوها و قرروا مواجهة استبداد الدولة و إزعاج أرتودكسية الكثير من فصائل اليسار و مسائلة نزوع مكونات الصف الديمقراطي نحو نهج الإيماءات و خطاب أنصاف الحقائق ، مواجهة كل ذلك بصيغ أكثر واقعية و برغماتية و حزما و مبدئية…

الحلقة 3…اعتبرت جماعة المواطن نقل إشكالية الصلاحيات المطلقة للملك إلى فضاءات النقاش العمومي  أبرز المداخل لمواجهة الحكم الفردي و الاستبداد

الراحل عبدالله زعزع مع شباب حركة 20 فبراير

بدأنا الحديث الجماهيري عن ضرورة الحد من صلاحيات الملك ، الذي كان الدستور و العرف يمنحونه كل شيء في حياتنا السياسية و كانت الداخلية ، زمن إدريس البصري ، تجيد ترهيب الفاعلين السياسيين و معهم النخب من طرح الإشكال الدستوري بدعوى أن من مع الدساتير الممنوحة فهو مع الملك و من ضدها فإنه ضد الملك.

اعتبرنا نقل إشكالية الصلاحيات المطلقة للملك إلى فضاءات النقاش العمومي، أبرز المداخل لمواجهة الحكم الفردي و الاستبداد. كان هذا الخطاب قد وجد صدى له داخل أحد أشرس المنظمات النقابية، آنذاك ، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، ليطل محمد النوبير الأموي على المشهد الوطني ذات فاتح ماي من عام 1990 ،و أمام حشود هائلة من العمال و المواطنين ، بالدعوة إلى ملكية يسود فيها الملك و لا يحكم.سيأكد نفس وجهة النظر و هو قائد في القوات الشعبية و زعيم للحركة العمالية في حوار مع جريدة “حرية المواطن ” التي كانت تصدرها الجماعة .

ستصادر السلطات العدد الخامس من الجريدة و سيحاكم الأموي و يصدر في حقه حكم بسنتين سجنا نافذة و سيعتقل ،في سابقة قضائية في هذا النوع من القضايا، من داخل المحكمة. كل هذا جرى تحت ذريعة لها علاقة بحوار كان قد أجراه مع “ألبييس”، الإسبانية ، لاحقته إثره الحكومة المغربية في شخص محاميها محمد زيان، الذي شائت الأشياء أن يقدم اليوم كأحد المدافعين عن حقوق الناس و معتقلي الحركات الاحتجاجية.

سيعتبر عبد الله زعزاع في كلمة باسم “جماعة المواطن”، في حفل حاشد لاستقبال المعتقلين السياسيين بساحة الاتحاد المغربي للشغل بتازة بتاريخ 12 شتنبر 1992، سيعتبر أن منع جريدة و سنتين سجنا هي لا شيء أمام ما بدأ يتحقق من التفاف للقوى الديمقراطية و اليسارية حول شعار أصبح قاسما مشتركا مركزيا و ما لاح في الأفق من تغيير لموازين القوى لصالح المشروع الديمقراطي، بعد إعلان الميثاق الوطني لحقوق الإنسان في 10 دجنبر 1990 و تنسيق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في 14 دجنبر 1990 و تأسيس الكتلة الديمقراطية بين حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، التقدم و الاشتراكية ، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في 17 مايو 1992.

سيتذكر التاريخ السياسي الحديث لحظة تلاحمت فيها أيادي امحمد بوستة، عبد الله إبراهيم ، علي يعتة، عبد الرحمان اليوسفي و محمد بنسعيد تحت تصفيقات الديمقراطيين بكل أطيافهم و ابتهاج الوطن بما بدئ ينجزه مفهوم جديد للتحالفات لطالما عملت من أجله جريدة أنوال و أشاعته، بعد ذلك، بإصرار و قناعة استراتيجية و باقتدار، صحافة المواطن في أعدادها الإثنى عشر الصادرة بين بداية صيف 1991 و خريف 1992، و تعرضت بسببه لمضايقات الدولة و افتراء الرفاق.

لكم كان الشعور بتوهج التوجه الديمقراطي قويا و لكم كان حلم بناء دولة الحق والقانون و المؤسسات و العدالة الاجتماعية و الحريات قريب المنال.

كنا قد حضرنا ، في سياق هذه الدينامية بالمقر المركزي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، لقاء حول الاعتقال السياسي كانت فيه المنصة تنبؤ بشيء جديد كان يختمر.

مشهدها كان غريبا عن الممارسة السياسية في المغرب إلى حد إرهاق الأجهزة الأمنية ومعها من لم يستطيعوا إلتقاط كنه ما كان يعتمل.

كيف لهم أن يستوعبوا تقاربا يتشكل من حزب الاستقلال يمينا إلى جماعة المواطن في أقصى اليسار مرورا بكل مكونات الصف الديمقراطي المراهنة على استراتيجية النضال الديمقراطي و دمقرطة الدولة و دمقرطة المجتمع.

عندما منحت الكلمة لعبد الله زعزاع ليوثق شهادة عيان عن تجربته مع الجلاد و التعذيب، شاهدنا نظرات من الاحترام الفائق و التأمل العميق و التعاطف الصادق تعلو محيا ممثلي القوى السياسية و النقابية من على المنصة و عاينا نوعا من إعادة اكتشاف يسار حازم، أي نعم، لكنه يسار منفتح، يتفاعل إيجابا، ينقب عن القواسم المشتركة مع الجميع و لا يكترث لا لطابوهات الصدر الأعظم و لا لمسلمات صقور العدم، عاينا ذلك في التجاوب الدال للحضور.

لم يكن بإمكان أي كان أن يتصور أن منصة أو قاعة ستجمع ما اجتمع ذلك اليوم و بذلك المستوى الرائع من الاحترام المتبادل و النقاش الراقي و الوعي المشترك بالقيمة الاستراتيجية للحوار و التقارب بين مكونات الصف الوطني و الديمقراطي و اليساري .فإلى وقت قريب كان النقابيون اليساريون يعانون الأمرين في الكنفدرالية .هذا ما أقر به الأموي ، على أية حال، حين استفسر عن سبب التحاق مناضل من طينة الرفيق محمد بولعيش بالاتحاد المغربي للشغل ليستدرك معترفا بأن قيادة نقابته كانت فاشية مع اليساريين.

كانت الشبيبة الاتحادية ، هي الأخرى، كلما رأتنا ندخل قاعة من قاعات النقاش ترفع في وجوهنا شعار “فلسطين عربية و الصحراء مغربية ” كنوع من التهديد بفضحنا إزاء الأجهزة الأمنية أمام نظرات ابتهاج من الأستاذ محمد الساسي، فقد كان مناضلوها لا يعلمون شيئا عن المراجعات الكبرى التي قمنا بها بعد نقاشات غاية في العمق و الجدية و أساسا حول الملكية و الدين و الصحراء و التحالفات، نقاشات مكنتنا من إنتاج فكر و خطاب قريبين من التصور الديمقراطي للتغيير و يقطعان كل خيوط الرجعة مع النزعات العدمية .

لم نسلم من نعتهم لنا بالتطرف و لا من اتهام رفاق لنا بالجهاد الغير مقدس ضد ثوابت الحركة الماركسية اللينينية (كذا).

المدهش أن الدولة لم تكلف نفسها عناء تحيين الملفات على ضوء الحقيقة الجديدة لوجهة نظر قادمة من نقد ذاتي بلغ حد جلد الذات.و للحقيقة و التاريخ فإن الجهة التي أبدت حماسا كبيرا اتجاه مبادرات “جماعة المواطن “، منذ البداية، كانت هي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي و أساسا الفقيد عبد السلام الموذن الذي أدرك بقدراته الفكرية الثاقبة و حسه السياسي الرفيع، قيمة وجود خطاب سياسي رصين متخلص من الرقابة الذاتية، يتناول الطابوهات و يدفع بمطالب القوى الديمقراطية إلى مداها.لقد كان الفقيد متعاونا إلى حد بعيد ، لذلك شكل رحيله المفاجئ ،بداية نونبر 1992، و في تلك الظروف، صدمة كبيرة لنا . كانت ملامح الحزن العميق على وجوه مناضلينا أثناء الجنازة توحي بأن “جماعة المواطن ” هي الأخرى معنية بنعي الشهيد.

عبدالسلام
في الصورة على اليمين واليسار الراحلان عبدالسلام المودن وبودلال

كنا مجتمعين حول نعشه في منزل عائلته ، قبل تشييعه إلى مثواه الأخير ، حتى فاجئنا صلاح الوديع بقصيدة قوية تعكس استهزاء فكرة اليسار بمنظومة الاستبداد حتى و هي في أوج لياقتها القمعية.

الوعي بالقيمة الاستراتيجية للتحالفات جعل ” جماعة المواطن” لا توفت أية فرصة لإحداث التقارب المطلوب بين مكونات الصف الديمقراطي، حتى بات ذلك هاجس يومي يتصدر جدول الأعمال.و يمكن الإدعاء أنها استطاعت المساهمة بشكل قوي في إرساء أسس هذا التقارب الذي ستكون له تداعيات على الفرز السياسي والاصطفافات و موازين القوى ما بين 1990 و إلى حدود الانشقاق الذي حصل داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي نتيجة موقفها من دستور شتنبر 1996.

على أية حال ، كانت الرسالة قد أضحت واضحة في تلك المرحلة. جبهة عريضة لحسم الصراع مع الاستبداد و إتلاف فرص التنمية و مصادرة الحريات باتت تتشكل بوعي نقدي لمسار القوى الوطنية و الديمقراطية و لمسار اليسار الجذري.لا أحد بات يضع نفسه فوق المسائلة النقدية و لا أحد زج به خارج حسابات التحالفات ، باستثناء طبعا ، من فضلوا المكوث في صيف 1970 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى