بلاغ مستفز..بوشعيب دوالكيفل يكتب..لماذا تطالب رابطة التعليم الخاص الدولة بالإنفاق على مدارسها؟
استفزني بلاغ صادر عن “رابطة التعليم الخاص بالمغرب”، نشرته بعض المواقع الإلكترونية، من ضمن ما ورد فيه : “التشديد على ضرورة بلورة تصورات جديدة، تحقق فعليا مبادئ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ والأساتذة والأطر التربوية والإدارية العاملة بمنظومة التربية والتكوين، وحماية المقاولات المواطنة والاستثمار الذي يوفر آلاف فرص الشغل وأكثر من مليون مقعد بيداغوجي للتلاميذ المغاربة، معتبرة أن مسلسل الإصلاح، يقتضي أن يشمل الإنفاق العمومي على .. جميع مكونات منظومة التربية والتكوين، ويمنح للأسر حق اختيار المدرسة التي تناسب أبناءها، سواء كانت مدرسة عمومية بالمجان أو مدرسة خاصة مؤدى عنها، من خلال مِنح أو صيغ أخرى، من قبيل استرجاع نسبة من الضريبة على الدخل، وهو ما سيحقق دمقرطة الولوج إلى مدارس الجودة أمام جميع التلاميذ المغاربة”.
ولم يتردد بلاغ الرابطة في التأكيد على “أن الأساتذة والأطر التربوية والإدارية العاملة بمنظومة التربية والتكوين لابد أن يحظوا بنفس الحقوق والحماية الاجتماعية والتحفيزات، سواء عملوا بمدارس عمومية أم خاصة، باعتبار أنهم جميعا يؤدون مهامهم النبيلة للارتقاء بمستوى التلاميذ المغاربة، ويسهرون على بناء مدرسة الإنصاف والجودة”.
وذهب البلاغ بعيدا حين طالب الجهات المعنية بــ” التدخل عاجلا لحماية مؤسسات التعليم الخاص التي تضررت أكثر من غيرها خلال فترة الجائحة، وأصبحت مهددة بالإفلاس بسبب عدم أداء بعض الأسر المستحقات المتراكمة عليها”. والغريب أن البلاغ لم يعطِ أعداد أو حجم المؤسسات التي ادعى أنها مهددة بالإفلاس، ولا مواقع جغرافيتها ومستويات التدريس بها…..
إن من لا يعرف خبايا الجوانب الربحية لهذه المقاولات، وأسعارها التي يغلب عليها الحس التجاري، القائم على المال مقابل الخدمات، قد تنطلي عليه مضامين بلاغ ” رابطة التعليم الخاص بالمغرب” التي نشرت بلاغها وقفزت على العديد من مناطق الظل والمسكوت عنه الذي افتضح مع اندلاع “كورونا” وإغلاق المؤسسات التعليمية بشقيها العمومي والخاص/ التجاري.
كما أن الرابطة وضعت كافة مؤسسات التعليم الخاص على قدم المساواة، في حين أن أسعار التعليم الخاص تتباين أحيانا بمسافات ضوئية، ففي مقال حديث لها ضمن عمودها المنتظم على موقع Le 360 تناولت الأستاذة نعمان جسوس (التي اشتهرت أكثر بكتابها المتميز Au-delà de Toute Pudeur الصادر سنة 1996 ، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه متميزة) تحدي الولوج إلى التعليم الخصوصي بالنسبة للآباء والأمهات الجدد، مُسلطة الأضواء على كلفته المالية المفزعة والصادمة، والتي تتراوح من الروض إلى أعلى المستويات التعليمية.
ففي الحضانات les crèches تتراوح الكلفة الشهرية ما بين 300 درهم و 4000 درهم. وتتراوح كلفة الابتدائي والإعدادي ما بين 500 درهم وأكثر من 6000 درهم شهريا. وهي مبالغ وأرقام تفزع الآباء الجدد حديثي العهد بالزواج، بل إن هذا العامل ساهم في انتشار ظاهرة الاكتفاء بالطفل الوحيد، جراء العجز عن توفير فرصة تمدرس ذي جودة وفي ظروف غير مزعجة.
لذا فإن بلاغ الرابطة المشار إليه أعلاه قد قفز على الواقع المغربي، وتجاهل الكشف عن حقيقة الأرباح التي تراكمها العديد من المقاولات المدرسية، حيث أن الكثير من المستثمرين في الميدان انطلقوا بداية بمدارس للتعليم الأولى تم وسعوا مشاريعهم إلى الإبتدائي والثانوي وهلم جرا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نجاح المشروع وانتظام واستدامة مداخيله وأرباحه المريحة جدا ، وبعضها، رغم ذلك، لا يوفر أجورا تراعي الضوابط المعتمدة ولا توفر التغطية الاجتماعية والصحية للمدرِسين الأجراء….
ومما ينبغي على رابطة التعليم الخصوصي أن تقوله للرأي العام، دون تردد أو تمويه، أن مؤسساتها في الغالب الأعم تعطي الأولوية للقاعدة التجارية القائمة على الربح ولا شيء غير الربح، ولا تراعي خصوصية المهام النبيلة لأدوارها، علما أن مؤسسات التعليم الخصوصي استفادت من امتيازات كثيرة منحتها إياها السلطات العمومية المختصة ( وكان من ضمنها إعفاء ضريبي دام عقودا من الزمن)، وآخرها فتح الباب أمام استفادة العاملين بالتعليم الخصوصي من خدمات مؤسسة الأعمال الاجتماعية عبر التراب الوطني التي كانت موجهة حصريا للعاملين في التعليم العمومي. بل لم يرِف جفن الرابطة حين طالبت في بلاغها بـــــ “استرجاع نسبة من الضريبة على الدخل”.