بثينة المكودي
يبدوا أن العمل الاجتماعي مع جمعيات المجتمع المدني أصبح من القطاعات المشغلة التي تساهم في امتصاص آلاف الباحثين عن العمل ، ومن المصادر التي تدر على خزينة الدولة ملايين الدراهم سنويا ، حيث أن عدد الأجراء في الميدان الاجتماعي، يناهز 35 ألف عامل وعاملة حاليا 65 في المائة منها نساء غير مهيكلات، وحسب إحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي للولاية الحكومية الماضية، 60 بالمئة يشتغلون لحساب القطاع الجمعوي، لاسيما الجمعيات التي تتولى تدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقارب 45 ألف في أفق سنة 2025، ونشير إلى أن العمل الاجتماعي في المغرب تتفوق فيه النساء بنسبة 57 في المئة من الأجراء الاجتماعيين.
فما هي ظروف عمل العاملات الاجتماعيات بالمجتمع المدني؟ وماهي الإكراهات التي تواجهها هذه الفئة؟ وهل يتوفر المغرب على قوانين من شأنها حمايتهن لما يقدمنه من خدمات للمجتمع؟ أسئلة وأخرى كانت زادنا في إعداد هذا التحقيق، زرنا خلاله عديد الجمعيات ومراكز الرعاية الاجتماعية بجهة سوس ماسة، طرحنا الأسئلة وهكذا كانت الإجابة.
• عاملات في مراكز الرعاية الاجتماعية خارج الإطار القانوني:
تتوفر معظم مراكز الرعاية الاجتماعية بالجهة على مستخدمين تربطهم علاقة شغل مع الجمعية المكلفة بتسيير هذا المرفق، فأغلب هذه المؤسسات تسيرها جمعيات وتساهم إلى جانب المؤسسات التابعة لمختلف القطاعات الحكومية في تقديم الخدمات الاجتماعية، ويمارس المستخدمين مهام متعددة حسب الفئة الاجتماعية المستهدفة، مستخدمون يؤطرهم القانون رقم 45,18 المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين الذي خرج إلى حيز الوجود في يوليو 2021 دون أن تخرج نصوصه التنظيمية.
هذا القانون الذي ضم بين بنوده تحديد مجالات عمل العامل(ة) الاجتماعي(ة)، لم يدخل الكثير من المهن المزاولة داخل هذه المراكز، خاصة الأعوان المشرفين على الحراسة والنظافة والطبخ. تحدتنا فاطمة التي تشتغل كمنظفة في إحدى مراكز حماية الطفولة في وضعية صعبة، والتي اشتغلت لأكثر من 10 سنوات دون الاستفادة من نقاطها الكاملة في التغطية الصحية، أو زيادة في الأجر، فالعكس هو الذي حصل، حيث يتغير أجرها من الحد الأدنى للأجور إلى نصفه حسب الحالة المادية وعدد المشاريع التي تستفيد منها الجمعية المشغلة، فبغياب هذه المشاريع تغيب الأجرة الشهرية، و قد ينقطع أجرها ما بين 6 أشهر إلى سنة في بعض الأحيان تضيف نفس المتحدثة.
قبل إنهاء حوارنا القصير انضمت إلينا زميلتها خديجة في نفس المركز والتي تشتغل كطباخة، صرحت لنا أنه ورغم الحصول على الأجر الشهري والاستفادة من التغطية الصحية، إلا أن العمل في مثل هذه المراكز هو عمل شاق ومتعب نظرا لكثرة المستفيدين، وللمخاطر التي نتعرض لها كطباخات دون الاستفادة من التأمين على حوادث الشغل، بالإضافة إلى عدم تحديد ساعات العمل الذي يبدأ من وجبة الإفطار صباحا قبل توجه الأطفال للمدارس، وينتهي بوجبة العشاء بعد العاشرة ليلا.
• نساء اخترن العمل الاجتماعي كمسار مهني فأصبحن مياومات:
أدرج القانون المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين، بين بنوده مجموعة من مهن العمل الاجتماعي كمهنة “المساعدة الاجتماعية” و “المربية” وغيرها، وفتح الباب أمام من تشتغل في ميدان العمل الاجتماعي لحسابها الشخصي بشكل حر في اطار المقاولة الذاتية، إلا أن القانون المؤطر للمقاولات الذاتية قد فتح الباب أمام مجموعة من المشغلين بما فيهم بعض الجمعيات إلى تسريح مجموعة من العاملات الاجتماعيات والتعاقد معهن كمقاولة ذاتية.
حيث حسب إحدى المساعدات الاجتماعيات التي فرض عليها بحكم الأمر الواقع العمل مع إحدى المؤسسات الاجتماعية كمقاولة ذاتية، صرحت لنا أنها تشتغل كمقاولة ذاتية “عطاشة” حسب تعبيرها، ولا تتوفر على عقد عمل أو تأمين يحميها أثناء مزاولتها لعملها، ولاتستفيد من الاجازة السنوية. بل تشتغل بشكل يومي وتصدر فواتير شهرية لمشغلها، وتقوم بتسديد واجبات التغطية الصحية بشكل دوري من مداخيلها مع حرمانها من الحق في التقاعد.
في هذا السياق تحدثنا إلى عصام الهمومي رئيس جمعية الجنوب للمقاولين الذاتيين، الذي أكد لنا أن القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي، الذي جاء من أجل تشجيع الشباب وحاملي أفكار مشاريع، لخلق مشاريعهم بامتيازات ضريبية تشجيعية والانتقال من القطاع غير المهيكل الى القطاع المهيكل، يستغله مجموعة من المشغلين سواء شركات او جمعيات في تحويل مستخدميهم إلى مقاولين ذاتيين، للتملص من آداء الاشتراكات الاجتماعية الشهرية المتعلقة بالتغطية الصحية والتقاعد، مضيفا ان هذه الفئة تعاني من الحرمان من أبسط الحقوق خاصة التقاعد والإجازة السنوية والتأمين على حوادث الشغل وغيرها من الحقوق، وعوض أن تقوم الحكومة بمعاقبة المشغل لاستغلاله لهذا النظام، قامت في قانون المالية لسنة 2023 بفرض ضريبة تصل إلى 30 في المئة على المقاولة الذاتية في حالة تجاوز رقم المعاملات 80 ألف درهم مع نفس الزبون، وكأنها تعاقب هذه الفئة التي تشتغل مع نفس الزبون وتصدر فواتير شهرية له عوض الحصول على أجر شهري، فأصبحت العديد من العاملات الاجتماعيات بالجهة مياومات يمكن للمشغل ان يتخلص منهن في أي لحظة.
• العمل الاجتماعي الميداني حقل ألغام:
في إطار هذا التحقيق تعرفنا على مجموعة من المهام التي تقوم بها العاملات الاجتماعيات، فبالإضافة إلى المهام الاجتماعية داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، تقوم هذه الفئة بالعمل خارج هذه المؤسسات مثل إنجاز الأبحاث الاجتماعية مع الأسر في وضعية صعبة بالمناطق التي تعاني الهشاشة الاجتماعية، حيث تنتشر مجموعة من الظواهر الاجتماعية كالإدمان والسرقة وكل ما من شأنه أن يشكل خطرا على المتدخلة الاجتماعية.
في هذا الإطار التقينا إحدى المربيات بأحد مراكز حماية الطفولة، التي تشتغل لمدة 24 ساعة متواصلة بالتناوب مع باقي زميلاتها، عمل تربوي مهم لكنه لا يخلوا من مخاطر كما تحدثنا، فهماها متعددة في تتبع النزلاء/ـات في كل تفاصيل الحياة أهمها الحفاظ على النظام العام بالمؤسسة بما فيها الفترة الليلية، والتي لا تؤخذ بعين الاعتبار في التعويض الشهري كما جاءت به مدونة الشغل، فبالنسبة لها لا فرق بين العمل في ساعات النهار أو ساعات الليل، حيث تقفل الإدارة أبوابها وتبقى المربية تواجه مصيرها ومواجهة حالات الشغب التي تصل حد إضرام النار في بعض الاحيان كما تضيف نفس المتحدثة، كل هذا بدون الاستفادة من نظام التأمين عن حوادث الشغل.
مساعدة اجتماعية وهذه المرة في مجال أكثر صعوبة، وهو العمل مع الأشخاص في وضعية شارع، حيث تساهم هذه الجمعيات بمستخدميها في ملء الفراغ الذي تركته الدولة لتقديم مجموعة من الخدمات كالتغذية والملبس ومحاولة إدماج هذه الفئة اجتماعيا، إلا أن هذا العمل وما يحمله من مخاطر يقابله أجر هزيل لا يصل حتى للحد الأدنى للأجور تضيف نفس المتحدثة.
يبدوا ان التدخل الاجتماعي مع الأشخاص في وضعية هشاشة عمل نبيل لكنه حقل ألغام كما تشير إحدى المتدخلات الميدانيات في مجال محاربة الأمراض المنقولة جنسيا، والتي تشتغل مع الأشخاص الحاملين لفيروس السيدا ومع محترفي الجنس من كلى الجنسين ومع متعاطي المخدرات، عمل يدفع بهذه المتدخلة الاجتماعية إلى المخاطرة أحيانا للوصول إلى الفئة المستهدفة في أوقات متأخرة من الليل، وكما هو الحال لباقي المتدخلين الذين التقيناهم، لا تعويض عن العمل في ساعات الليل ولا تأمين وأجر لا يتعدى 2000 درهم.
• كورونا تفضح واقع التغطية الصحية للعاملات الاجتماعيات:
في المرحلة التي شهدها المغرب والعالم أثناء انتشار فيروس كورونا، حيث أقفل الجميع أبواب المنزل، ولم يبقى في الشارع إلا نساء ورجال الصفوف الأمامية، من بينهم العاملات الاجتماعيات، الذين ساهموا الى جانب جمعياتهم في تحمل إيواء وحماية الأشخاص بدون مأوى، وحيث فقدت العديد منهن العمل، طفى على السطح إشكالية غريبة في مغرب 2020، تتمثل في عدم استفادتهن من منحة كورونا المتعلقة بالمنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رغم التزام الجمعيات بأداء الاشتراكات الاجتماعية الشهرية، وكأن مستخدمي الجمعيات غير مستخدمي الشركات، لهم نفس الواجبات لكن ليس نفس الحقوق.
إن العاملات الاجتماعيات بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، ومايقدمنه من خدمات جليلة للمجتمع وللفئات الأكثر هشاشة اجتماعية، رفقة مشغليهن من جمعيات المجتمع المدني التي اختارت المساهمة في تنمية بلدنا، يقابله هشاشة قانونية لا تحمي المتدخلة الاجتماعية أثناء مزاولتها لعملها، ويقابلها هشاشة التعويضات المادية، لنصبح امام “عاملات اجتماعيات في وضعية صعبة” يعملن في قطاع شبه غير مهيكل، وكل من التقينا معهن فضلن عدم ذكر الاسم أو اختيار اسم مستعار، بل عدم ذكر المسمى المهني خوفا من فقدان العمل، فإلى متى سيستمر هذا الحيف في حق شريحة واسعة من العاملات الاجتماعيات اللواتي لم يجدن من يتحدث باسمهن؟