التعليم: نقاش حول قانون أساسي وهمي وتصعيد تربوي قريب محتمل
خالد أخازي:
يوم عن يوم، تتسع رقعة الحيف والظلم، و تكبر مشاعر الغبن والجور بين صفوف رجال ونساء التعليم، ويتغير وزير ويأتي آخر، وتسع الفتق على الراتق، فتعقد اللجن الموضوعاتية، و تلتئم جميع الأطراف في لقاءات كأنها جعجعة بلا طحين، ولا أفق غير السراب، ولا حلول غير الوعود الوهمية، كل وزير يأتي وهمه هو ربح الزمن، وتدبير المرحلة بأقل الخسائر، ولو بالوهم والوعد الكاذب، كم من وزير حمل هذه الحقيبة الساخنة لحد الآن، والنتيجة.. فراغ.. وعود.. اختلالات.. تصدعات.. وميض كل المؤشرات أحمر.. يؤشر كل الأزمة هيكليا وتربويا وماليا.
قانون أساسي وهمي
فكل مسؤول يرمي الكرة في ملعب زميله، حتى غدا القانون الأساسي الذي بشر به الوزير السابق الوفا، كأرضية لجبر الضرر، ورفع الظلم والغبن، عبثا صارخا” تعبر عنه بقوة ” في انتظار غودو”، واتفاقية تعرف المد والجزر ومخاضا ما عرفته اتفاقية “كامب دافيد..” علما أن النقاش عن القانون الأساسي الجديد، غدا وهما ولا محل له من الإعراب، ومن باب هدر الوقت والمال والطاقات، لأنه لن يهم إلا شريحة، تتقلص كل يوم، وستتبدد في غضون سنوات، ولن يكون المرجع القانوني غير القوانين الأكاديمية الجهوية، ولن يكون هناك موظف تحت مظلة قانون أساسي ولا قانون الوظيفة العمومية..
ضحايا الرواد
هم فئة من نساء ورجال التعليم، حملوا مشعل التربية في أصعب الظروف وأحلك السياقات، أكثرهم زجوا بهم في البوادي والقرى البعيدة، والدواوير المعزولة بلا طرق ولا بنيات، أكثرهم مرضى، ومصابون بأمراض مزمنة، واحترقت أصابيعهم بجمرة “الطبشورة”، فكان جزاؤهم الاعتقال التعسفي إداريا ومهنيا في ما يسمى الزنزانة/9/ و8 أي السلمين 8 و9، في الوقت الذي التحقت فيه أطر بلا تكوين بل مباشرةبالمدارس، فوجد هؤلاء المدرسون المغبونون أنفسهم جنبا إلى جنب مع من درسوهم في المدرسة نفسها، لكن مع فارق كبير في الأجرة، فبينما ظلوا هم حبيسي السلمين اللعينين، حاز من كانواأبناءهم السلم العاشر والحادي عشر، بل منهم من ترقى إلى خارج السلم، وظلوا هم ينتظرون من أي وزير الوفاء والاعتراف، فتقلصوا مع الزمن، حتى صاروا قلة، كأن القائم على خزائن الدولة، يستعجل موتهم، وفي أخف الاحتمالات التخلص منهم بالتقاعد، وهو مدرك أن المدرس لا يعيش طويلا بعد التقاعد.
ضحايا ملء الفراغ
حينما غدت المؤسسات التعلمية الثانوية في حاجة ماسة إلى أطر لسد الخصاص بالإعدادي والثانوي، استعانت الوزارة وحكمائها الذين ينصحون الوزير بالصبر حتى يصيب العياء الدينامية الاحتجاجية التربوية وهم شر الناصحين”- أقول استعانت بأطر الابتدائي لسنوات وسنوات، لتغطية حاجاتها وسد الفراغ المهمل، لكن ما إن تجاوزت أزمتها، و”قضت حاجتها كعادتها” حتى أعادتهم إلى إطارهم الأصلي، ضدا على مطلبهم بالإدماج، وإجهاضا صريحا لوعد أخذته على نفسها بإدماجهم اعترافا لهم بالجميل”، في مفارقة غريبة، و وضعت محلهم أطرا بلا تكوين ولا أساس بيداغوجي، في الوقت الذي طالبتهم في حمق و سيزوفيرنيا تدبيرية باجتياز امتحان التخرج، مبررة ذلك باشتراطات وزارة المالية، كان وزارة المالية مؤسسة مالية أجنبية، لا ضمن الفريق الحكومي” الله ينعل لي ما يحشم”
الإدارة التربوية
يعد أطر الإدارة التربوية، أكبر ضحية ” لملفهم المطلبي”، فقد ناضلوا لسنوات من أجل إقرار اطار تربوي يحيهم من شطط ومزاج المسؤولين، ويضمن لهم الاستقرار النفسي والمهني، ويمنحهم هامش التدبير بما يكفل لهم المبادرة والإبداع في الإداء والتوقع والتخطيط، ويخول للمسيرين سلطات لامركزية حقيقية، و يمنح المدبر مرجعية معنوية وقانونية، لتدبير شفاف ومتطور، لكن عبث الوزارة، ومن يقف وراء العبث منذ سنين، جاء بما ينصف غيرهم من الخريجين بملفهم المطلبي،واعتمادا على مقترحاتهم، والغريب أن الوزارة تطالبهم بامتحان حتى تتم تزكيتهم في منصب هم شغلوه منذ سنين، وخضعوا لتكوينات أساسية و مستمرة، كما خضعوا خلال عملية الانتقاء لمقابلات علمية وبيداغوجية، بل الأغرب في هذا الملف، أن هؤلاء المديرين والمديرات هم أنفسهم من يؤطرون “الخريجين الجدد” من المتصرفين والمتصرفات التربويين، وما من مبرر للوازرة غير ملاءمة ” الديباجة القانونية”، والخضوع لإملاءات وزارة المالية التي صارت في عهد حكومة البيجيدي كالبنك الدولي، مؤسسة مانحة ومقرضة لا حقيبة وزارية.
هم الآن يخوضون شتى أشكال النضال، منها لحد الساعة مقاطعة البريد واللقاءات والاجتماعات،ورفض المصاحبة التربوية الميدانية للأطر الجديدة، ويقومون بوقفات محلية وجهوية ووطنيو من حين لأخر، بينما يكتفي الوزير بخرجات تؤزم الوضع، الإصغاء إلى من أزموا الوضع أصلا، وفشلوا في تدبير كل الملفات، و كانوا سببا في تناسل التنسيقيات، رغم أن النقابات مجمعة على عدالة مطالبهم.
للإشارة، يتداول في الكواليس أن تصعيدا أقوى تفكر في الأطر المدنية المنظمة لهم، مما سيشكل خطرا على استقرار الحقل التربوي، كإضراب مفتوح، أو طلب إعفاءات جماعية محددة تاريخيا في زمن موحد ومؤطرة بعملية تواصلية إعلامية كبرى.