الرئسيةذاكرةشواهد على التاريخ

أولاد جرار ودار بوعزة وطماريس اسماء لمجال جغرافي واحد

بقلم علال بنور

يقع هذا المجال الجغرافي غرب مدينة الدار البيضاء، من مدخلها على الطريق الساحلي نحو ازمور، حيث أرض ما يعرف بأولاد الجمل، كما تعرف المنطقة بعين الكديد، ويمتد هذا المجال الساحلي إلى حدود ضريح الولي المولى التهامي.

تقول الرواية الشفاهية أن أولاد جرار، استوطنوا هذا المجال الجغرافي منذ 1740. استقدمهم السلطان المولى عبد الله العلوي، كانوا يتخذون من الخيام مسكنا لهم كما كانوا يمتهنون صيد السمك بواسطة نصب الشباك، يسوقونه داخل أسوار المدينة القديمة بالدار البيضاء. وأحيانا كانوا يغيرون على المدينة كلما سنحت لهم الفرصة.

فيسلبون السكان خزائنهم، وحليهم و دوابهم بل كانوا سيرقون النساء الجميلات. وفي هذا الإطار، تروي الرواية عن هجومات تعرض لها أولاد جرار في ليلة ظلماء من طرف أولاد حريز أتت على الفلاحة. الشيء الذي نتج عنها حروبا بين القبيلتين بسبب الصيد والقنص والرعي.

وفي رواية شفاهية أخرى، تقول إن أولاد جرار سبعة إخوة أتى بهم المولى عبد الله من أجل اعمار منطقة حملت فيما بعد اسمهم إلى يومنا هذا. وهم كالتالي: امحمد بلفقيه – الطيبي – المكي- التهامي – مسعود – بوشعيب – الحسن. كانوا من خيرة الرماة والمحاربين الأشداء، استوطنوا المنطقة حوالي سنة 1740م. كانت مساكنهم تتكون من النوايل والخيام المصنوعة من الدوم الذي يوجد نباته بوفرة في المنطقة. وكانوا يهتمون بحفر المطامير، يستغلونها في تخزين المؤن وأمتعة ونقود مسبوكة من الذهب، والتي كانوا يحصلونها مقابل بيع الأسماك في المدينة القديمة بالدار البيضاء. وقد فاق عدد المطامير المحفورة المئات.

من هو بوعزة الريكط؟

في غياب المراجع وشح المصادر، اضطررنا إلى الاعتماد على الرواية الشفاهية، التي تكاد تكون متشابهة حول شخصية بوعزة، فاسمه الكامل، بوعزة المديوني الهراوي نسبة إلى قبيلة الهراويين بمديونة شرق الدار البيضاء. كان له لقب “الريكط” بسحنة وجهه نقط. كان يعمل في نهاية القرن التاسع عش خادما عند الحاج بوشعيب المديوني، فانتقل من راعي ابله بمديونة إلى قائد قوافله المحملة بالسلع من قمح وشعير وصوف وجلود وغيرها.

من منطقة الهراويين بمديونة إلى لمريسى عبارة عن خليج صغير، كان خلال القرن 19، ترسو فيه بعيدا السفن التجارية، المعروف حاليا بلمريسة بدار بوعزة من أجل تسويقها للأجانب بعيدا عن مرسى الدار البيضاء، تهربا من الضرائب، وربما كان الامر مرتبطا مقايضة السلع بالأسلحة، خصوصا مع تجار الأسلحة الانجليز- المعروفين بصناعة سلاح المارتيني – الذين كانت ترسو بواخرهم قرب لمريسى.

وعندما هم بوشعيب المديوني للذهاب إلى الحج، أوكل لبوعزة “الريكط ” تجارته عبر لمريسى للحلول محله إلى حين عودته، غير أن التاجر بوشعيب المديوني اختفى في ظروف غامضة، وتحكي الرواية أنه لم يعد من الحج.

وهكذا استولى بوعزة “الريكط” على ممتلكات بوشعيب المديوني، التي قدرت ثروته بأربعين جملا، منها الجمال الخاصة بحمل السلع الى مرفأ لمريسى. ففي وقت وجيز وبذكائه كون بوعزة قوة من العصابات، استطاعت الاستلاء بالقوة على أراضي أولاد جرار الخصبة.

وهكذا وجد بوعزة “الريكط” ضالته في محيط المريسى، حيث يتواجد ضريح محمد مول الشط الذي يقول عنه أحد العارفين، بأنه كان مخزن أموال بوعزة الريكط، ولازال إلى اليوم سكان دار بوعزة يتحدثون عن وجود كنوز مدفونة في مقبرة هذا الضريح، بل، كثيرا ما يدور الحديث عن خزائن هي عبارة عن سبع صناديق من الذهب من نوع اللويز لازالت مطمورة في المقبرة.

اصبحت لبوعزة “الريكط” سلطة ونفود وحماية اسبانية

ولما اصبحت لبوعزة “الريكط” سلطة ونفود وحماية اسبانية، قام بتشييد منزل كبير فوق ثل يطل على البحر- لازالت اثاره إلى يومنا هذا- بدعم من صهره عبد الله المديوني، الذي كان يشغل عامل مديونة. ودائما حسب كتاب «عبير الزهور» لصاحبه هاشم المعروفي، فان السلطان العلوي المولى الحسن الأول، قام بمراسلة عامل الدار البيضاء، الطالب محمد بركاش، آمرا إياه بهدم ما بني من منزل بوعزة وطالبا منه إخبار عامل مديونة لثني صهره بوعزة “الريكط” عن عملية البناء الذي يقع على مسافة ربع ساعة مشيا من المريسى وثلاث ساعات من الدار البيضاء.

غير أن البناء لم يتعرض للهدم، لأن بوعزة كان داهية، وبلغ درجة كبيرة من الثراء، في حقبة كان فيها المغرب محط أطماع القوات الأجنبية، حيث عمد إلى الاحتماء بها للمحافظة على مصالحه.

تحكي الرواية الشفاهية، أن منزل بوعزة أو ما يعرف عند الساكنة بالقصبة أو الدار والتي لا زالت آثارها شاهدة إلى الآن، تحتوي على العديد من المطامير بها كنوزا من الذهب من نوع اللويز وأسلحة ذات قيمة تاريخية. كم نسجت حكايات يتداولها سكان المنطقة، أن الدار ومطاميرها الكثيرة يسكنها الجن والأفاعي والعقارب تحمي تلك الكنوز. كما لعب هذا المنزل دور قصبة وبرج لمراقبة السفن التجارية الأوربية، وكذلك مراقبة سفن القراصنة والسفن الحربية الأوربية، من أجل رصدها استعدادا لنهبها.

وهكذا بدأ بوعزة يتوسع عن طريق القوة بسيطرته على الأراضي الفلاحية التي كانت ملكيتها تعود لأولاد جرار. كان يستولي على الأراضي باستعماله القوة، يساعده في ذلك عدول من بينهم أحد العدول المحليين من دوار الحلالفة الشرقية، الذين كانوا يقومون بعملية توثيق العقود زورا. كما تقول الرواية الشفاهية، كان له العديد من العبيد والحراس، كما كان له حلاق خاص به مخافة الإجهاز عليه. كان يكلف عبيدا لحفر المطامير لدفن خزائنه، وعند الانتهاء من عملية الحفر يقوم بقتلهم أو طمرهم بمجرد الإنتهاء من الحفر. بل احيانا كان يطمرهم وهم أحياء وسط حيطان الطابية لكي لا يفشوا سر كنوز بوعزة.

ورثة بوعزة باعوا مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية

بعد وفاته سنة 1910، تقول الرواية الشفاهية، أن ورثة بوعزة باعوا مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية، خاصة الساحلية منها، للسلطان العلوي المولى عبد العزيز، لكن المرجح الذي لم يخرج عن القاعدة، أن السلاطين كانوا يتركون (التركة) رجالات المخزن من قواد و عمال بل الاغنياء كذلك.

وقد خلف ثلاثة أبناء وهم: الجيلالي وعبد الرحمان والزوهرة، ومع مرور الزمن قام السلطان العلوي المولى عبد العزيز، بتسليم كل ممتلكات بوعزة “الريكط” بما فيها القصبة / المنزل للصيدلي Gabriel Veyre، الذي قضى قرابة خمس سنوات في خدمة القصر السلطاني من سنة 1902 إلى سنة 1907. ولا نعرف كيف تمكن هذا الفرنسي الذي استطاع امتلاك آلاف الهكتارات التي قام بتسجيلها وتحفيظها باسمه في رسم عقاري إلى وفاته 1936.

فتزوجت ابنته الوحيدة الوريثة “موريس جاكي”، إلى حدود 1950 غادرت الأسرة إلى فرنسا، بعدما باعت جزءا مهما من الأراضي الفلاحية والتي تسمى اليوم “بلاد جاكي”، وجزء آخر قامت الدولة باسترجاعه طبقا لمقتضيات ظهير 2مارس 1973 بالرغم من تواجد جزء هام من العقار المذكور في المدار الحضري للمركز المحدد لدار بوعزة المحدث بموجب المرسوم الوزاري المؤرخ في 21 يناير 1960.

المدلول الجغرافي لكلمة الطماريس:

عند العودة إلى المعاجم الجغرافية، نجد مصطلح طماريس في أصلها اللغوي ترجع إلى اللغة اللاتينية، كانت تسمى “تماري كوس” تعني الشجر الصغير الكثيف، وحسب معجم المنهل فإن أصلها عربي، من صحراء سيناء. كان هذا النوع من الغطاء النباتي يستوطن الشريط الممتد على طول الساحل من الغابة القريبة من الولي المعروف مزار عبد الرحمان، الى “كريار” بن عبيد، فغابة سندباد المحادية لأرض أولاد أجمل شاهدة على أن ضاحية الدار البيضاء، كانت بها غابة شاسعة، وهناك اشارات في المعاجم تشير إلى أن هذا النوع من الغطاء النباتي، ينتمي إلى مجال حوض البحر الأبيض المتوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى