ولنا تعليق: الدولة مطالبة أيضا وأيضا بوضوح الخطاب…
لا يمكننا إلا أن نتقاسم مع وزير الداخلية، مطالبته بوضوح الخطاب..
لا يمكننا إلا أن نكون معه في دعوته إلى عدم التشويش و التشكيك في سياق ذبح السائحتين…
إن الذين ذبحوهما ذبحونا نحن أصلا، وذبحوا المغرب، ونحروا مشتركه التاريخي القيمي..
إن الذين ذبحوا السائحتين، أرادوا في الحقيقة ذبح “الاستقرار والأمان” و الهوية المغربية..
فعلا.. من لا يقاسم الوزير دعوته إلى وضع اليد في اليد لتطويق كل تطرف في خطاب شاذ أو بذرة فكرية عفنة..؟
لكن هذا لا يعني توقيع شيك للوزير على بياض، ولا يعني أن المقاربة الأمنية الوقائية أو الزجرية هي السبيل الوحيد لمحاربة التطرف..
أمنيا لا يمكن إلا جمع الثمار العفنة، لكن شجرة الإرهاب والتطرف ستظل تنمو هناك بعيدا، في تربة خصبة لها.. تنضج ثمارها في غفلة منا جميعا.. تربة سمادها الريع.. البطالة.. الفقر.. التهميش.. اللاعدالة.. الاستبداد.. العار.. الذل.. الظلم.. اللامساواة.. الفساد.. الرشوة.. الفشل الدراسي.. الهجرة في قوارب الموت..
فالوزير عليه ألا يكرر تجربة وسياقات 16 ماي، و بأخذ القضية ذريعة للزج بالأبرياء في السجون، وتوسيع دائرة الاعتقال التعسفي بمجرد الشبهة لا الجريمة، والحد من الحريات، و التضييق التعسفي.
الوزير عليه أيضا أن يتذكر النقد الذي قام به الملك نفسه على ما ترتب من مخن ومن ظلم عقب أحداث 16 ماي…
عليه أن يعلن للعالم أن المغرب بلد المؤسسات وبلد القضاء المستقل، وبلد المحاكمات العادلة، وبلد ممنع كفاية ضد سعار الذئاب المنفردة، ووباء الداعشية المتفشي في بنى المجتمعات التي تعاني من نقص مناعة في الحقوق والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية..
على الدولة نفسها أن تكون واضحة الخطاب السياسي، وأن تضع أمام أعيننا مشروعها المجتمعي، الحداثي الديمقراطي الذي لا يستقيم حاليا و طريقة تدبير الشأن العام، بتتفيه وتقزيم وإضعاف الأحزاب والمنظمات النقابية، وخلق بدائل لها هجينة فاسدة.
على الدولة أن تكف عن تمييع “اللعبة الديمقراطية”، وإعادة الإرادة السياسة للشعب، بدل أن يتم كولسة الحكومات وفق أجندة لا تخدم المغاربة ولا تؤسس لمجتمع سليم متوازن..
على الدولة أن تكف عن اغتيال الوساطة الاجتماعية، بإظهار النقابات والأطر المدنية أمام الشعب في جبنة الانتهازيين، وفك الارتباط بينها وبين الشعب، بإجهاض وظيفتها الاجتماعية..
على الدولة أن تكون واضحة الخطاب في مقاربتها السياسة في محاربة الفساد الأكبر والريع والاغتناء غير المشروع، وفي تعاطيها مع الفقر والهشاشة و ظهور طبقة أغنياء جدد من أموال وصفقات عمومية..
على الوزير أن يكون واضح الخطاب نيابة عن الدولة، ويعلن أن للدولة مشروعها ديمقراطيا حداثيا حقوقيا، وأن تتم ترجمة ذلك على مستوى مناهج التعليم، وتحديث الإدارة، و ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان سلوكا واختيارا مركزيا، وعلى راسها احترام ادمية الإنسان في السجون ومخافر الشرطة والدرك..
نعم.. لا يمكننا إلا أن نصطف إلى جانب الخطاب الواضح، ونبذ الإرهاب في كل تنوعاته الفكرية والاجتماعية..
لكننا في السياق ذاته، نريد من لفتيت وغيره و في سياق دعوته لوضوح الخطاب أن يكف عن نعت الصف الديمقراطي الحداثي الحقوقي الداعي إلى تعاقد جديد بين الدولة والمجتمع بالعدمي، الصف الديمقراطي الحداثي الذي يدعو بصذق ووطنية عالية إلى:
- فصل حقيقي للسلط
- استقلال حقيقي للقضاء
- محاربة الفساد بجميع أشكاله، وتفعيل حقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
- محاربة التضييق على الحريات، ومراجعة كل النصوص القانونية المصاغة بمرجعية محافظة وأبوية تجاه المجتمع، وهو أمر لا تستقيم مع الادعاء بتبني الحداثة والديمقراطية
- محاربة الفقر والهشاشة بمنظومة اجتماعية إنتاجية، لا ريعية ولا إحسانية، ترسخ ثقافة الصدقة بدل العمل والإنتاج، مع تقوية الدولة بصفتها راعية اجتماعية، ومسؤولة عن التوزيع العادل للثروة.
- مراجعة مناهج ومضامين التعليم، وترسي قيم الحداثة والعقلانية والابتكار والإبداع، وتقيم فعليا لعملية غير مترددة لمسار عقلنة الثقافة وعلمنة السياسية
- حل مشكلة البطالة ضمن رؤية مندمجة شاملة الأبعاد
- محاصرة اليأس الناجم عن الإحساس بالغبن والظلم المتجلي في علاقة المواطن بالإدارة، وما ينتجه من ضغائن قد تتحول إلى تطرف مجاني، سلوكي لا إيديولوجي..
ولنبدأ معا، من منابع كل تطرف..
لنفكك مضامين مقرراتنا التعليمية.. ونبحث عن الخلل .. عن مصدر كل جنون وحمق..
لنفكك علائق المواطن بالقضاء والأمن، وكل المؤسسات العمومية، ونبحث عن كل منابع العار والذل والمس بالكرامة الإنسانية
لنفكك واقع الجامعة المغربية، وكيف يراد لها أن تتحول إلى بؤرة للفساد و الرشوة، والتفاهة العلمية…
لنبدأ من الوساطة الاجتماعية، ونحييها بدل اغتيالها، كما دأبت حكومة البيجيدي على ذلك، منذ سلطت على هذا الشعب، بتقوية الحوار الاجتماعي وجعله فعالا وناجعا لا شكليا يوسع دائرة السخط والاستياء.
لنبن معا مجتمعا ديمقراطيا حداثيا، تتجلى مظاهره في الثقافة والإعلام، والتربية والمؤسسات العمومية والخاصة، وفي متانة وقوة ونزاهة مؤسساته
لنوقف نزيف الموت اليومي في البحر الأبيض المتوسط..
لنتوقف عن هدر الكرامة، والإذلال باستعمال العنف الرمزي والمادي وحتى التاريخي والحضاري العميق للمغرب، لنوقف الموت الناعم للهمم والعزائم بالمخدرات و أقراص الهلوسة، التي تنشر الخوف والرعب والموت..
لنفكر معا.. في الحلول الجوهرية الوقائية، التي لا يمكن أن تكون إلا ضمن رؤية وخطاب واضحين للدولة، من الديمقراطية، والحقوق الإنسانية والتنمية والفساد والعدالة…
لنكفر معا.. ألم يحن الوقت للتغيير..